جيجل - تنظم جمعية "مشعل الشهيد" بجيجل "قافلة ذاكرة الأمة" للولاية التاريخية الثانية حيث تجوب خلال ثلاثة أيام الأماكن التي عرفت أشرس معارك المقاومة والتحرير الوطني. وتندرج هذه المبادرة المنظمة تحت شعار "قافلة ذاكرة الأمة" في إطار المجهودات المبذولة من طرف هذه الجمعية بغرض الإبقاء على أقوى مراحل مجد ثورة نوفمبر 1954 المسلحة، حسب ما أوضحه رئيس هذه الجمعية. واستنادا إلى السيد محمد عباد الذي يقود هذه القافلة المتكونة من 22 عنصرا فإن الأمر يتعلق "بحمل الرسالة إلى الأجيال الصاعدة لتوضيح لهم مدى عظمة المقاومة المسلحة من أجل استرداد الحرية الوطنية التي قادها شعب بأكمله". ويتضمن برنامج هذه المبادرة محاضرة سيتم إلقاؤها في ختام سهرة اليوم الأربعاء بمقر بلدية جيجل من طرف السيد بوجمعة صويلح تحت عنوان "البعد الشعبي للثورة التحريرية" حيث يلخص بها رمزية هذه الثورة الكبرى التي فجرها الشعب الجزائري. ويأتي اختيار ولاية جيجل مباشرة بعد باتنة عاصمة الأوراس إحدى معقل حرب التحرير الوطنية لكونها كانت مقرا للولاية التاريخية الثانية بأسماء كبيرة على غرار ديدوش مراد وزيغود يوسف وبن طوبال عبد الله وعلي كافي وصالح بو بنيدر الذين تناوبوا على رأس هذه الولاية إلى غاية نهاية 1962. وكانت أهم لحظات هذه الزيارة التاريخية بلا شك تلك التي قادت هذه القافلة إلى القرية الجبلية والريفية أولاد عسكر حيث تم وضع نصب تذكاري بأن هذه المنطقة كانت مقرا للولاية التاريخية الثانية خلال سنوات حرب التحرير الوطنية. وعبر المجاهد فرحات بوشعير بالمناسبة عن تأثره الشديد لزيارته مجددا لهذه الأماكن التي حارب فيها الاستعمار الغاشم. وبدوره، تطرق المجاهد بشير زايت المدعو محفوظ الذي أشار إلى ضرورة المحافظة على هذه الأماكن و إبرازها للأجيال الصاعدة إلى تفاصيل "مؤثرة" تتعلق بهذا المكان التاريخي. وذكر هذا المجاهد بانه في أواخر فيفري 1958 حلقت ما لا يقل عن 157 طائرة حربية من مختلف الأنواع فوق هذه المنطقة التي احتضنت اجتماعا لزعماء الثورة مذكرا بأنها " كانت أحد أكبر المعارك على المستوى الوطني آنذاك". وغير بعيد وبالتحديد بغدير الكبش يوجد نصب تذكاري يخلد معركة دارت رحاها في 1956 ما بين عساكر الجيش الاستعماري والمجاهدين بقيادة البطل عمار قرفي المدعو "موسطاش" الذي توفي عام 1957 بالقرب من بلدية العنصر. كما تم اقامة نصب تذكاري آخر بدوار مسيد ببلدية بوراوي بلهادف يذكر كذلك باستشهاد 9 مجاهدين سقطوا في ساحة الوغى خلال معركة وقعت في 11 ماي 1956 وذلك بعد أن كان هؤلاء المجاهدين يقومون بنصب كمين لعساكر الجيش الاستعماري. وكانت زيارة أكبر مقبرة للشهداء "مقبرة الميلية" من بين اللحظات المؤثرة خلال هذه الجولة حيث تم الترحم على 1.409 اسم شهيد سقط بساحة الفداء خلال حرب التحرير الوطنية. وذكر المجاهدون بأن هذه المنطقة كانت "محرمة" في تلك الحقبة كما أشار ممثل محلي عن المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء عز الدين أوصايف الذي تطرق إلى بعض المعارك التي وقعت بهذا المعقل إلى أن الميلية كانت عاصمة الشمال القسنطيني. وخلال إقامتهم بهذه الولاية سيزور أعضاء جمعية "مشعل الشهيد" برفقة مجاهدين ومواطنين بعض من المواقع التاريخية فضلا عن المنازل التي ولدت وترعرعت بها شخصيات رمزية للحركة الوطنية الجزائرية على غرار فرحات عباس الرئيس الأول للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ومحمد الصديق بن يحيى (وزير أسبق للشؤون الخارجية) والقائد حسين رويبح (محافظ سياسي سابق للولاية الثانية التاريخية). وبهذه المناطق التي تقع على علو حوالي 1.000 متر عن سطح البحر توجد عديد القرى ذات المسالك الوعرة ارتسم على ملامح سكانها شعور العظمة والفخر فيها رجال لا يزال نضالهم محفورا بالذاكرة وكأنه كان بالأمس القريب. وعلى الرغم من أن الظروف المعيشية قاسية جدا خاصة في فترة الشتاء إلا أن المواطنين يتطلعون لأيام أفضل بعد أن تأتي التنمية الاجتماعية-الاقتصادية أكلها حيث الطبيعة تدعو للتأمل في سفوحها التي احتضنت المقاومة البطولية للشعب الجزائري.