اختتمت بتألق كبير ليلة أمس الثلاثاء بالمسرح الجهوي لقسنطينة الطبعة الثالثة للمهرجان الدولي للإنشاد ب"معانقة موسيقية" رائعة بين البلدين الشقيقين الجزائر و مصر. وقد كان المايسترو المصري صابر عبد الستار في الموعد ووفى بالوعد الذي كان قد قطعه على نفسه منذ خمس عشرة يوما خلال مشاركته في المهرجان الدولي للمالوف بالعودة و المشاركة في مهرجان الإنشاد لتكريم الفنانة وردة من خلال إعادة للأغاني الرائعة لفقيدة الأغنية العربية التي غنت فيها للجزائر من طرف الأصوات الكبيرة لدار الأوبرا بالقاهرة. وأخذ هذا الموسيقي الجمهور في رحلة عبر الموسيقى و الفن الصوفيين و الروحانيين المستلهمين من التراث العربي أو عبر المقطوعات التي هي من تأليفه الخاص ليترك بعدها الميكروفون لواحد من منشدي الفرقة و هو أحمد محسن الذي غاص بالجمهور في أجواء السنوات الأولى للاستقلال من خلال الأغنية المؤثرة "مليون شهيد" التي أهدتها وردة و الموسيقار المصري الكبير رياض السنباطي للدماء الطاهرة لشهداء الثورة الجزائرية الأبرار. وأكد المايسترو الذي اختنق صوته من شدة التأثر أن أداء هذه الأغنية " صعب جدا بالنسبة (له و لفرقته) بسبب قوة المشاعر التي "تتولد أثناء أدائها بسبب استحضارها حجم التضحيات الجسام للشهداء الذين يبقون بالنسبة للرمزية الصوفية مثلا أعلى يقتدى به من أجل السعي للتقرب من الله". وقد أعيد إحياء هذه الأغنية التي أثرت في أجيال من الجزائريين و اهتز لها العالم العربي بأسره بتمكن وإحساس كبيرين من طرف وليد حيدر والذي أعاد أيضا بطريقة جد رائعة الأغنية الجزائرية "يا لحباب" التي غنتها وردة على شكل ديو مع ملك أغنية الراي خالد. ومن جانبها، أعادت أمنية سمير الصوت النسائي الوحيد بالفرقة و المثير للإعجاب بصوتها الأوبرالي أداء أغنية "جميلة" التي أهدتها وردة للمجاهدة البطلة جميلة بوحيرد رمز تضحية المرأة الجزائرية إبان الثورة. و في اللحظة التي تهيأت فيها الفرقة لتحية الجمهور من أجل مغادرة الركح ارتفع صوت من آخر القاعة معلنا النشيد الوطني "قسما" الذي عزف بأكمله و الذي استمع إليه الوفد المصري بكل انتباه قبل أن تذكر منشطة الحفل أن ألحان هذا الشعر الملحمي لمفدي زكريا هي من إعداد الموسيقي المصري الكبير محمد فوزي. ولم يتوقف المايسترو صابر عبد الستار عن شق الطريق الذي سطره لنفسه منذ أول زيارة له للجزائر عام 2001 تاريخ مشاركته بالجزائر العاصمة في مسابقة العزف على آلة "القانون" التي نظمتها الجامعة العربية و التي تحصل فيها على الجائزة الأولى. وبالإضافة إلى مواهبه الفذة كعازف لهذه الآلة الموسيقية العربية فهو لا يفوت أي فرصة للمرافعة من أجل التأصل في تراث الإبداع الموسيقي و الفني العربيين حتى يتمكنا من التميز في مجال الأصالة و يبلغا العالمية أيضا و يقدما الإضافة للحضارة الإنسانية على غرار ما فعله الأسلاف. وظهر الأعضاء الشباب لفرقة "كنوز الإنشاد" من دار الأوبرا بالقاهرة (مصر) متشبعين و حاملين لنفس الرسالة ومناضلين من أجل النهوض الحقيقي بالأمة العربية و كذا وحدة شعوبها. وسواء بالنسبة لوليد حيدر أو أمنية سمير عضوي فرقة "كنوز" الذين اقتربت منهما وأج فإن الحماس هو دائما نفسه لما يتعلق الأمر بالحديث عن وحدة المصير وضرورة توحيد قلوب الشعوب العربية حتى لا تخترقها أفكار الفرقة و التشتت. وأكد وليد حيدر الذي يزور الجزائر لأول مرة أن الابتسامة المضيئة التي تعلو محياه تعبر عن سعادته العارمة بالاستقبال الحار الذي حظيت به الفرقة في الجزائر و هذا ما يجعله مستعدا للعودة مجددا للغناء "مجانا و بدافع المودة و الصداقة لا غير". ومن جانبها، أوضحت أمنية سمير أنها اختارت الغناء الديني " بسبب صدق و نبل المشاعر التي ينقلها" و صرحت " أنا ممتنة جدا للمايسترو صابر عبد الستار الذي دعاني للمشاركة في المهرجان الدولي للإنشاد بقسنطينة و من ثمة التمكن من المشاركة في احتفالات إحياء خمسينية استقلال الجزائر و كذا إحياء الذكرى 58 لاندلاع الثورة التحريرية التي تعتبرها "واحدة من أكبر المكتسبات و واحدة من بواعث الافتخار لكل الشعوب العربية و كذا للإنسانية جمعاء".