تميزت سنة 2012 بتعزيز مكثف لمؤشرات الاقتصاد الكلي في الجزائر بفضل سعر نفط جيد و ادخار عمومي مدعم حتى و ان كان التضخم الناتج عن تثمين الاجور مرتفعا بشكل مميز خلال هذه السنة المنتهية. ومن خلال سعر متوسط للنفط الخام الجزائري بقيمة 111 دولار ما بين جانفي و نهاية سبتمبر 2012 تمكنت الجزائر من تحصيل جباية نفطية تقدر ب3.166 مليار دينار (نحو 43 مليار دولار) خلال الفصول الثلاثة الاولى لسنة 2012 مقابل 2.900 مليار دينار (4ر39 مليار دولار) في نفس الفترة من سنة 2011. وبفضل هذه النتيجة زود صندوق ضبط الموارد الذي انشئ سنة 2001 للتكفل بجزء من العجز المالي و التسديد المسبق للديون الخارجية بغلاف مالي يقدر ب1.647 مليار دينار اضافية خلال الاشهر التسعة الاولى لسنة 2012 مما نقل رصيد هذا الصندوق الى 6.486 مليار دينار في نهاية جويلية اي نسبة تقارب 40 بالمئة من الناتج المحلي الخام الجزائري. و لقد تم تحصيل الجباية النفطية التوقعية لكل سنة 2012 المرتكزة على سعر برميل يقدر ب37 دولارا في شهر افريل و هو التاريخ الذي شرع فيه بدفع الجباية بطريقة مباشرة في صندوق ضبط الموارد. و خارج الجباية النفطية بلغت الموارد العادية التي تم تحصيلها من قبل الخزينة العمومية في نهاية سبتمبر 5ر1.756 مليار دينار (اي نحو 24 مليار دولار) و سجل ميزان المدفوعات رصيدا ايجابيا بقيمة 3ر10 مليار دولار خلال السداسي الاول لسنة 2012 بينما سجل الميزان التجاري فائضا بقيمة 26ر24 مليار دولار خلال الاشهر ال11 من سنة 2012 . ومن المقرر ان يقارب احتياطي الصرف الوطني 200 مليار دولار مع نهاية السنة كونه كان يبلغ 7ر193 مليار دولار في نهاية سبتمبر. و قبل عقد تجاوز هذا الاحتياطي بالكد 10 ملايير دولار في الوقت الذي تجاوزت فيه الديون الخارجية الجزائرية 30 مليار دولار. ومن خلال هذا الاحتياطي دون احتساب الذهب المقدر ب2ر182 مليار دولار سنة 2011 سجلت سنة 2012 عشرين مليار دولار من احتياطي الصرف اضافي حسب توقعات صندوق النقد الدولي الذي يراهن على اصول بالعملة الصعبة تقدر ب2ر205 مليار دولار بالنسبة للجزائر سنة 2012. الجزائر البلد الاقل استدانة في منطقته خلال سنة 2012 و من جهة اخرى قاربت الديون الداخلية للجزائر 1.300 مليار دينار سنة 2012 بينما تم تقليص الديون العمومية الخارجية الى نحو 400 مليون دولار. و فيما يخص الديون الخارجية الشاملة التي خنقت الاقتصاد الوطني في سنوات 1980-1990 فتم تقليصها الى اقل من 4ر4 مليار دولار سنة 2012 اي نسبة 5ر2 بالمئة فقط من الناتج المحلي الخام في الوقت الذي يفوق فيه معدل الديون الخارجية في الدول المصدرة للنفط لمنطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا 22 بالمئة من الناتج المحلي الخام. و سمح هذا التقدم للجزائر بان يصنفها صندوق النقد الدولي كالدولة الاقل استدانة في الدول ال20 لمنطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا خلال سنة 2012 ، و ثاني اكبر بلد يملك احتياطات صرف رسمية بعد المملكة العربية السعودية. و يصف صندوق النقد الدولي الذي استفاد من قرض جزائري بقيمة 5 ملايير دولار مغيرا موقع الدائن بين الطرفين الجزائر بالدائن الصافي" بمعنى أن احتياطاتها للصرف و الأصول المالية الخارجية الأخرى تفوق بكثير دينها. وقد اكد السيد محمد لكصاسي محافظ بنك الجزائر خلال الاجتماع الذي ضم الحكومة و ارباب العمل والمركزية النقابية في نوفمبر الماضي و المخصص لتطبيق تسهيلات مصرفية جديدة لصالح المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و الخواص ان القوة المالية للجزائر تعد "مكسبا هاما مقارنة بما يجري في العالم" سيما ان "استعادة توازن الاقتصاد الكلي قد رافقه نمو للادخار الوطني". و تضاف هذه الاجراءات التي رحب بها ارباب العمل و المواطنون الى ترتيبات دعم المؤسسات المباشر فيها سنة 2012 على غرار اعادة جدولة ديون المؤسسات المفلسة الذي سمح بمعالجة 127 مليار دينار من الديون و الغاء 35 مليار دينار من ارباح الصرف و كذا اعادة جدولة الديون الجبائية لأكثر من 15.500 مؤسسة تواجه صعوبات بقيمة اجمالية تقدر ب92 مليار دينار. وكانت أداءات الاقتصاد الكلي المدعومة بمخطط الاستثمار العمومي (2010-2014) و الذي تم استهلاك الغلاف المالي المخصص له و المقدر ب286 مليار دولار بنسبة تفوق 80 بالمئة سنة 2012 مرفوقة بمجهود معتبر في مجال منح قروض الاستثمار. و سجلت هذه القروض نموا بنسبة 14 بالمئة خلال التسعة الاشهر الاولى للسنة بينما ارتفعت القروض البنكية الممنوحة للقطاع الخاص بنسبة 2ر16 بالمئة. الى جانب نسب نموها تتمثل خصوصية هذه القروض في انها تتأثر بالادخار الوطني و ليس بدخول رؤوس اموال مما يسمح لها بتفادي اثر فوري على نسب الصرف التي تظل مستقرة في 76-77 دينار مقابل دولار واحد سنة 2011. و فيما يخص نوايا الاستثمار ارتفع عدد المشاريع المصرح بها لدى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار بنسبة 9 بالمئة خلال الاشهر الست الاولى لسنة 2012 ليبلغ 4.275 مشروع بقيمة اجمالية تقدر ب410 مليار دينار ستة منها اجانب. و تعزز الانتعاش الاقتصادي للبلاد سنة 2012 بنسبة نمو تقدر ب5ر2 بالمئة و ناتج محلي خام وطني يفوق 16.000 مليار دينار (216 مليار دولار) و ناتج وطني خام لكل ساكن يقدر ب4.000 دولار حسب المعطيات الرسمية. كما سجل التشغيل الذي كان المستفيد الاول من النمو الاقتصادي الذي ارتفع بفضل الطلب العمومي نموا سنة 2012 حيث انخفضت نسبة البطالة الى 9 بالمئة. اداءات جيدة و لكن نسبة تضخم معتبرة خلال سنة 2012 و من جهة اخرى شهدت سنة 2012 "نسبة تضخم معتبرة" نظرا للزيادات المطبقة في الاجور و ارتفاع الاسعار الداخلية لبعض المواد الاساسية. و في اطار قانون المالية التكميلي لسنة 2012 خصصت الحكومة 317 مليار دينار اضافية لرفع الاجر الوطني الادنى المضمون من 15.000 دج الى 18.000 دج و مراجعة القوانين الاساسية و انظمة التعويضات الخاصة بالموظفين و كذا مراجعة استثنائية لمعاشات و منح التقاعد. و انتقلت القيمة الاجمالية للزيادات في الاجور سنة 2012 الى 679 مليار دينار في اطار ميزانية تخصص 2.850 مليار دينار (نحو 39 مليار دولار) لأجور الموظفين. و في الوقت الذي كان يراهن فيه قانون المالية لسنة 2012 على تضخم يقدر بنسبة 4 بالمئة فقط ادت الكتلة النقدية المتعلقة الزيادات في الاجور خلال الاشهر الستة الاولى لسنة 2012 الى معدل تضخم يقدر ب3ر7 بالمئة مقابل 9ر5 بالمئة ثلاثة اشهر قبلها و 9ر3 بالمئة خلال السداسي الاول لسنة 2011 و هو توجه نحو الارتفاع تأكد خلال السداسي الثاني لسنة 2012 من خلال ذروة تضخم قدرت ب85ر8 بالمئة في سبتمبر. وبغية وضع حد لهذه الظاهرة اتخذ البنك المركزي اجراءين اساسيين خلال سنة 2012 و هما رفع نسب الاحتياطات الاجبارية للبنوك و رفع مستوى امتصاص السيولة. و يبدو ان المختصين في الاقتصاد لاسيما التابعين لبنك الجزائر غير قلقين بمستوى التضخم المسجل سنة 2012 الذي يعتبر ظرفيا و لكن هم جد منشغلين بالضعف المستمر لتنويع الاقتصاد الوطني الذي قد لا يعرقل الاستقرار المالي للبلاد لكنه يجعله "هشا" امام الصدمات الخارجية المتعلقة بالمحروقات حسب راي محافظ البنك.