تميزت الحملة الإنتخابية لرئاسيات 17 أبريل الجاري التي إنتهت منتصف الليلة الماضية بكونها الأشد حدة في التاريخ السياسي للجزائر منذ الإستقلال نتيجة للمواجهة التي شهدتها بين تيارين أساسيين يدعو الأول إلى الحفاظ على الإستقرار والثاني الى ضرورة "التغيير الجذري" لنظام الحكم بالجزائر. ففي الوقت الذي تناضل فيه المعارضة من اجل "التغيير السلمي" من خلال إستغلال فرصة الإنتخابات للشروع في "إحداث القطيعة و إجراء إصلاحات عميقة تبدأ بالدستور" شكل مبدأ الإستقرار تحت شعار "تعاهدنا مع الجزائر" لب الحملة التي نشطها ممثلو المترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة مستشهدين "بالحصيلة الإيجابية" التي تم تحقيقها خلال العهدات الثلاث المنقضية و عليه فإنه "لابديل عن الإستمرارية في نهج التطور و التنمية". كما شهدت ذات الحملة أوجها في الأسبوع الأخير التي تميز بإرتفاع حدة الخطابات وصلت إلى حد إستهداف مرشحين معينين أو منع ممثليهم من تنشيط لقاءاتهم الشعبية على غرار "أحداث بجاية" التي تسببت في الغاء التجمع الذي كان من المقرر أن ينشطه عبد المالك سلال مدير الحملة الانتخابية للمترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة. كما تخللت الحملة "دعوات للفتنة و التدخل الأجنبي و التهديد" وهي تصرفات إعتبرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة "لا تمت للديمقراطية بصلة" متسائلا "هل يتعلق الأمر بفتنة أم بثورة أم بربيع وهل هذا في فائدة الشعوب".يتعلق الأمر أيضا بعدة تجاوزات "كالنشر العشوائي للملصقات الاشهارية" و باتهامات ب"عدم حياد الادارة" و"عدم الانصاف من قبل وسائل الاعلام" فضلا عن إخطارات متعلقة باستعمال مترشحين او ممثليهم للكلام غير المناسب خلال تنشيط تجمعاتهم الشعبية. الدستور في صلب الخطاب الإنتخابي و جرى جزء معتبر من الحملة التي نشطها المترشحون الستة او ممثلوهم (عبد العزيز بلعيد وعلي بن فليس و عبد العزيز بوتفليقة و موسى تواتي و لويزة حنون وعلي فوزي رباعين) عبر وسائط أخرى غير تلك التي جرت عليها العادة على غرار شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت للوصول إلى معظم الطبقات الإجتماعية خاصة الشبابية منها فضلا عن ما وفرته الإدارة من 3.250 منشأة منها 1868 قاعة و 799 ملعب رياضي و 583 ساحة عمومية لتمكين المرشحين من تنظيم تجمعاتهم الانتخابية. وان تعددت تعهدات المترشحين للرئاسيات وممثليهم وتنوعت التزاماتهم لاستمالة أكثر عدد ممكن من ال23 ناخب الا أن تعديل الدستور "ليستجيب للمتطلبات الجديدة" (سلال) أو "إحداث إصلاح جذري عليه" من منطلق "فترة إنتقالية" (تواتي) او "جمهورية ثانية" (حنون) كان على رأس إهتمامات المترشحين لتحقيق فصل حقيقي بين السلطات و تعزيز سيادة القانون. هذا فقد شنلت الدعوات الملحة للمشاركة بكثافة يوم الاقتراع القاسم المشترك بين المترشحين الستة على إعتبار أن التصويت هو الطريق الأمثل ل"الانتقال الديمقراطي" (علي بن فليس) و فرصة "لاسترجاع سلطة الشعب" (تواتي) و"رد على الذين يريدون زرع الشكوك والفتنة" (بلخادم) وكذلك فرصة لقطع الطريق امام دعاة المقاطعة. كما توالت الدعوات إلى "كسر كل محاولات التزويرالمؤدية الى العنف" و"نبذ العنف والتعقل و تجاوز الأفكار المسبقة" و الإبتعاد عن "كل ما من شأنه تعكير صفو الاستحقاق الانتخابي" بما يجعل موعد 17 ابريل القادم "موعدا لتكريس الممارسة الديمقراطية الحقة وفرصة لتمكين الجزائريين والجزائريات من ممارسة حقهم الانتخابي في كنف الهدوء والطمأنينة" مثلما دعت إلية اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات الرئاسية. الرهان على فئة الشباب والقضايا ذات الصلة بالمواطن وحازت فئة الشباب على حصة الأسد من الوعود المقدمة على أساس أنها تمثل أغلبية المجتمع الجزائري حيث التزم المرشحون بالتكفل بانشغالاتها. فقد أقر سلال بوجود مشاكل تعاني منها هذه الفئة وعلى رأسها التشغيل متعهدا بالعمل خلال السنوات الخمس المقبل على إيجاد حلول جذرية لهذه المشاكل. من جانبه قال بلعيد إن فئة الشباب هي الفئة الأكثر استهدافا من خلال مخطط تنموي يسعى الى ايجاد مناصب شغل تقي الشباب من شبح البطالة و"الآفات الاجتماعية التي تفشت بسبب الوضع الأمني الذي عاشته الجزائر قبل 20 سنة ومازالت تواجه تبعاته". إلى ذلك أولى المترشحون إهتماما بترقية المرأة إلى مستوى أعلى باعتبار أن المرأة نصف المجتمع حيث تنوعت الوعود بين ترقية المرأة الريفية وتخصيص قروض بنكية دون فوائد للنساء الماكثات بالبيت وكذا انشاء صندوق وطني للتكفل بالنساء المطلقات و الوقوف بالمرصاد في وجه كل أشكال العنف الممارس ضد المرأة. كما شكلت مواضيع ترقية اللغة الامازيغية و إحترام حرية التعبير أهم المحاور التي تطرق إليها المترشحون في خرجاتهم لمختلف ولايات الوطن حيث إلتزم السيد بوتفليقة على لسان مدير حملته السيد سلال "بمواصلة مسار تطوير اللغة الأمازيغية التي تعد إحدى المقومات الوطنية للأمة الجزائرية" وإنشاء كتابة دولة مخصصة لترقية و تعميم اللغة الامازيغية في الإتزام بدسترة هذه اللغة الى جانب العربية. وعلى الصعيد الاقتصادي شدد المترشحون الى اهمية تطبيق استراتيجية واضحة المعالم تساهم بقوة في ترقية قطاعي الفلاحة والسياحة والاستثمار المنتج وذلك بهدف خلق مناصب شغل جديدة والتحضير لمرحلة ما بعد البترول. كما ركز المرشحون في ذات السياق على جملة من النقاط الهامة ترتبط في مجملها بالقضايا الإجتماعية والإقتصادية ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطنين. موضوع الاوضاع الأمنية شكل هو الآخر صلب الخطابات الإنتخابية حيث إعتبرت السيدة حنون "أن ضحايا الإرهاب هم أهم فئة في معادلة إسترجاع هيبة و كرامة المواطن الجزائري" في حين تعهد السيد بن فليس "بإيجاد صيغ قانونية تحمي ضحايا العشرية السوداء وتنقذهم من الإهمال و التهيمش". و تحتاج فئة ضحايا الارهاب في نظر تواتي الى"التفاتة قوية في برنامج الحكومة الجزائرية" مشددا على أن هذه الفئة تعبر "جزءا من حل الأزمة السياسية في الجزائر". ويبقى على الناخب أن يعبر يوم الخميس المقبل عن إختياره للمرشح الأكثر إقناعا و الذي يرى أنه جدير بإعتلاء كرسى الرئاسة مثلما جرت عليه العادة في الدول الديمقراطية.