وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، رسالة إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لإحياء اندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة، أكد من خلالها أن "الحفاظ على مكاسبنا، في كنف تعددية الرؤى السياسية، يقتضي منا أن نكون قادرين على التكتل في جبهة وطنية جامعة كلما تعلق الأمر بالجزائر وعلى الخصوص عند مواجهة التهديدات الخارجية". وبعد أن ذكر بالإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية للجزائر، أكد الرئيس بوتفليقة أن الجزائر "بقيت وفية لبيان أول نوفمبر1954 من حيث هو نداء من أجل الحرية و الكرامة، ونداء من أجل بناء جزائر ديمقراطية واجتماعية في إطار مبادئ الإسلام، كما هو نداء من أجل علاقات سلم و تعاون بين الشعوب المستقلة في إطار تقاسم المصالح". فيما يلي النص الكامل للرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين. بني وطني الأعزاء، غدا سنحيي ذكرى اندلاع ملحمة بطولية. أجلي إن محطة أول نوفمبر 1954 هي أسيسة تاريخنا المعاصر، تلك المحطة التي أشهر فيها شعبنا أمام العالم، وقبل ذلك أمام المستعمر، عزمه على انتزاع سيادته وحريته أيّا ما كان الثمن. وبالفعل، استرجع شعبنا سيادته بأثمان باهظة قوامها مليون ونصف مليون شهيد ومئات الآلاف من الأرامل واليتامى وعدد لا يحصى من المواطنين المهجرين. ذلكم الامتحان الجماعي كان الثمن الذي تأتى به كسر قيود استعمار تجاوز عمره قرنا من الزمن، استعمار استيطاني، استعمار انتهج الإبادة والسلب والنهب، استعمار مارس نفي الآخر وإلغائه، استعمار لم يجدي حتى وهو يحتضِر، أي رد على المطالب الجزائرية السلمية سوى تسليط القمع الهمجي على المدنيين العزل، ذلكم القمع الذي ستبقى مجازر الثامن مايو 1945 شاهدة عليه وعلى تلك الهمجية التي كانت وستظل وصمة عار في جبين مرتكبيها. إن تضحيات شعبنا من أجل استقلاله هذه كان لها، خارج حدودنا الوطنية، أثرها على قضية الشعوب المستعمرة الأخرى. لقد عجلت ثورتنا حصول شعوب شمال إفريقيا على استقلالها، على غرار الشعبين التونسي والمغربي اللذين ندين لهما بما كان لهما من مؤازرة فاعلة لشعبنا المكافح. وكانت الثورة الجزائرية بالنسبة لبقاع أخرى من إفريقياي مثالا يحتذى في مناهضة الاستعمار، حيث عجلت استقلال شعوب كثيرة في القارة ساند بعضها قضيتنا الوطنية. هذا، وأسهمت الجزائر، وإبان كفاحها، في إقرار حق الشعوب المستعمرة في الاستقلال و ترسيمه من قبل منظمة الأممالمتحدة من خلال لائحتها التاريخية رقم 1514 التي صوتت عليها خلال ديسمبر1960 بنص مداده من دماء شهدائنا الأبرار. هذه بعض اللمحات عن ثورة نوفمبر المجيدة التي أضافها شعبنا إلى سابقاتها من الصفحات المشرقة التي يزخر بها تاريخه الممتد عبر آلاف السنين، تاريخه المرصع بإسهامات جلَّى في بناء الحضارة العالمية، تاريخه الحافل بصور التضامن على مر القرون مع أمم شريكة أو حليفة أو شقيقة، تاريخه الزاخر بالتصدي لضروب من الغزو الذي طال وطننا و لكنها تكسرت جميعها بفعل مقاوماتنا الدؤوب المتواصلة. إن الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، الذي أتوجه إليه بالتحية باسمكم جميعا، يتولىي بكل حزمي مهمته الدستورية في حماية حدودنا من خطر الإرهاب الدولي والجريمة العابرة للأوطان. فلا بد من الإبقاء على هذه المؤسسة الجمهورية في منآ، عن المزايدات والطموحات السياسوية. لقد ولى عهد المراحل الانتقالية في الجزائر التي ضحى عشرات الآلاف من شهداء الواجب الوطني من أجل إنقاذ مؤسساتها السياسية. وبات الوصول إلى السلطة، من الآن فصاعدا، يتم عبر المواعيد المنصوص عليها في الدستور ومن خلال سيادة الشعب الذي يفوضها عن طريق الانتخاب على أساس البرامج الملموسة التي تعرض عليه. بني وطني الأعزاء، إن صيانة الإرث الذي تركه شهداؤنا الأبرار، وعلى الخصوص سيادتنا الكاملة وخياراتنا الاجتماعية من عدالة وتضامني تدعونا اليومي أكثر من أي وقت مضى، إلى بذل مجهودات أوفر وبلوغ نجاعة أوفى في الميدان الاقتصادي. بالفعل، لقد تراجعت أسعار المحروقات، خلال السنوات الأخيرة، بقدر بالغ ونحن مضطرون لمواصلة تنميتنا بمداخيلنا العمومية التي تقلصت كثيرا، بينما يسجل نمونا الديموغرافي ارتفاعا بالغا. غير أن الرهان هذا لا يفوق إمكاناتنا الوطنية إذا ما اتفقنا جميعا على ما تتطلبه المعركة التنموية من سبل و وسائل. السبل و الوسائل هذه تتمثل في تغليب إيديولوجية واحدة و وحيدة ألا وهي إيديولوجية مصلحة الوطن ومواطنيه حتى نثمن، أكثر فأكثري إمكاناتنا الجمة الصناعية منها و الطاقوية و الفلاحية والسياحية و المنجمية وغيرها. فالسبل و الوسائل المطلوبة هي اعتبار المؤسسة المنتجة، عمومية كانت أم خاصة أو بالشراكة، أداة ثمينة لا غنى عنها لخلق مناصب الشغل و مصدرا للمداخيل وعلى الخصوص مصدرا للثروة التي تستفيد منها المجموعة، وأداة يتعين تطويرها عن طريق الانتاجية والتنافسية. فالسبل والوسائل المطلوبة لكسب هذه المعركة تتمثل أيضا في إدخال و تسريع الإصلاحات الضرورية من أجل تحديث تسيير الشؤون العمومية وتخليصه من المركزةِ، وتحديث المحيط الاقتصادي بما فيه المالي، والمضي قدما في التحكم في التكنولوجيات الجديدة. لقد تولت الحكومة، تنفيذا لبرنامجي و تعليماتي، مواصلة معركة التنمية الاقتصادية وتكريس العدالة الاجتماعية وصون السيادة الإقتصادية. هذاي و أسجل ارتياحي للاستعداد الذي أبداه العمال المنخرطون في الاتحاد العام للعمال الجزائريين وكذا رجال الأعمال المنضوون ضمن منظمات للمشاركة تمام المشاركة في هذه المعركة الاقتصادية التي سييسرها بلا شك حوار الثلاثية. يليق بالطبقة السياسية، من جانبها، أن تُرَقِّيَ داخلها التوافقات حول المسائل الاقتصادية والاجتماعية من حيث هي المجال الأنسب للإجماع الوطني. فقد انتهجت بعض البلدان المتقدمة هذا السبيل الذي ستستفيد منه بدورها الجزائر وحتى الأحزاب السياسية. ختاما، أدعوكم، بني وطني الأعزاء وأدعو الأمة قاطبة، في هذا اليوم الذي نحيي فيه ذكرى ملحمتنا الوطنية التي أخرجتنا من ديجور الاستعماري إلى مضاعفة ما تبذلونه من جهد في أم المعارك، معركة التنمية التي نعتها النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد الأكبر. المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار! تحيا الجزائر!".