إن ظهور بوادر تراجع حدة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) في أنحاء مختلفة من دول العالم جعل العديد من الدول لا سيما في القارة الاوروبية تطبق إجراءات حذرة للتخفيف من قيود الحجر الصحي بعدما شل اقتصادها, في وقت تواصل منظمة الصحة العالمية دعواتها لتوخي الحذر من انتكاسة جديدة للوباء . وتستعد بعض دول القارة الاوروبية المعزولة منذ نحو شهر لخوض تحدي رفع تدابير الإغلاق ، بعد أن دفعت الثمن الأعلى للفيروس حتى الآن مع تسجيل ثلثي حصيلة الوفيات في العالم البالغة 168 ألفا بحلول امس الاثنين، باعتبار أن تفشي الوباء بات على ما يبدو قيد الاحتواء. وكانت ألمانيا من الدول السباقة لرفع القيود بعد أن اعتبرت ان الوباء على أراضيها بات "تحت السيطرة" بتخفيف الإجراءات، حيث سمحت السلطات بإعادة فتح المتاجر التي تقل مساحتها عن 800 متر مربع، مثل المحلات الغذائية والمكتبات ومرائب السيارات ومحلات الألبسة وباعة الزهور. وبالرغم من هذا التخفيف, تبقي ألمانيا على بعض المرافق الثقافية والرياضية مغلقة الى غاية اغسطس المقبل، حيث حذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، من أن "الوضع لا يزال هشا" , محذرة من أنه "سيكون من المؤسف جدا أن نشهد انتكاسة". من جهتها, تراقب باقي الدول الاوروبية عن كثب استراتيجية ألمانيا التي تعد أكبر اقتصاد في القارة، للخروج من الأزمة، وتستعد في هذا السياق كذلك فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، الدول الثلاث الأكثر تضررا من الوباء في القارة، إلى اتخاذ أولى تدابير رفع العزل خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ويأتي ذلك فيما بدأت مؤشرات مشجعة تظهر في بعض البلدان، فقد انخفض عدد المرضى امس الاثنين للمرة الأولى في إيطاليا في ما صنفه مدير عام الدفاع المدني أنجيلو بوريلي ب"المعطى الإيجابي". لتقرر السلطات باتخاذ أولى تدابير تخفيف العزل ابتداء من 3 مايو ، في وقت بدأت الشركات تفتح أبوابها بشكل جزئي ووسط كثير من الحذر. وفي بريطانيا, سجلت 449 وفاة الاثنين, الحصيلة اليومية الأدنى في البلاد منذ 6 ابريل الماضي, بينما اتخذت فرنسا أمس خطوتها الأولى في اتجاه تخفيف القيود، حيث سمحت من جديد "لكن بشروط" بزيارات نزلاء دور الرعاية للمسنين. وفي المقابل, مددت بريطانيا العزل الذي فرض في 23 مارس ل 3 أسابيع إضافية على الأقل الخميس، ولا تنوي الحكومة رفعه بعد. أما بجمهورية التشيك, فقد عاد التلاميذ إلى مدارسهم اليوم بينما سمحت النرويج بعودة مواطنيها الى بيوتهم الثانوية كما فتحت دور الحضانة والمدارس أبوابها لتصدح من جديد بأصوات التلاميذ، هذا فيما عادت مهن عدة إلى استقبال الزبائن. وقررت النمسا هي الاخرى السماح إلى المتاجر التي تقل مساحتها عن ال 400 متر بالعودة الى العمل وفتحت حدائقها العامة . وتأتي هذه الاجراءات بينما تبقى الولاياتالمتحدة بغالبيتها تحت العزل وهي البلد الذي يسجل أكبر عدد وفيات في العالم، رغم أن الرئيس الامريكي دونالد ترامب كشف عن خطة لإعادة فتح اقتصاد القوة الأكبر في العالم. وفي القارة الاسيوية, بدأ سكان كوريا الجنوبية في العودة إلى العمل والازدحام بالمراكز التجارية والحدائق والملاعب وبعض المطاعم بعدما خففت السلطات قواعد التباعد الاجتماعي مع استمرار تراجع معدلات الإصابة بفيروس كورونا. وفي الصين، تفتح مدارس إقليم هوبي في وسط البلاد -بؤرة تفشي وباء كورونا- أبوابها اعتبارا من 6 مايو المقبل لطلاب المرحلة النهائية الثانوية. == تحذيرات من الرفع الكلي لإجراءات العزل وسط تواصل انهيار الإقتصاد العالمي == وتأتي إجراءات التحفيف في الوقت الذي تواصل فيه منظمة الصحة العالمية تحذيراتها بضرورة أن يكون أي رفع لإجراءات العزل العام المفروضة لاحتواء فيروس كورونا المستجد "تدريجيا," مشددة على أنه إذا جرى تخفيف القيود قبل الاوان ستكون هناك عودة للعدوى. وقال المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادي في منظمة الصحة العالمية تاكشي كاساي, إن "إجراءات العزل العام أثبتت فعاليتها, و ينبغي على الجميع الاستعداد لأسلوب حياة جديد يسمح للمجتمع بالعمل مع استمرار جهود احتواء الفيروس". ومن جهة اخرى, تتوالى التحذيرات الاممية والدولية من أن "كوفيد 19 يشكل خطرا جماعيا تواجهه البشرية وتحد كبير تمر به منذ الحرب العالمية الثانية" حيث أكد مسؤولون أمميون في رسالة لهم "أن هذه الجائحة لا تعرف حدودا ولا تستثني أي دولة أو قارة وتضرب بشكل عشوائي وأن اللقاح ضد المرض قد يستغرق عاما على الأقل". ومن جهته , توقع صندوق النقد الدولي أن يتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 3 في المائة هذا العام، مع انكماش اقتصاديات البلدان في أنحاء العالم بأسرع وتيرة منذ عقود، محذرا من أن هذا الوضع قد يصبح الأسوأ منذ "الكساد الكبير" في الثلاثينيات من القرن الماضي. وقال إن وباء كورونا أدى إلى دخول العالم في "أزمة لا مثيل لها", مبرزا أن الانتشار المستمر للوباء سيختبر قدرة الحكومات والبنوك المركزية على السيطرة على الأزمة، حيث اعتبرت كبيرة الاقتصاديين في الصندوق، غيتا غوبيناث، إن الأزمة قد تقلص إجمالي الناتج المحلي العالمي بحوالي 9 تريليونات دولار، خلال العامين المقبلين.