في الساعات الأولى من صبيحة كل يوم يقصد عشرات المواطنين مقر المندوبية المحلية لوسيط الجمهورية بقالمة بملفاتهم الإدارية التي تحمل همومهم وانشغالاتهم متشبثين بأمل إيجاد حلول لها لدى هذه الهيئة التي قد تتمكن من "تصحيح ما أفسدته بيروقراطية الإدارة"، كما عبر بعضهم. فببناية قديمة من العهد الاستعماري بنهج باتريس لوممبة وسط مدينة قالمة، يوجد مقر المندوبية المكون فقط من 3 غرف غير كافية لاستيعاب العدد المعتبر من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين خصص يوم الخميس من كل أسبوع من أجل الإستماع اليهم وإيجاد حلول لانشغالاتهم. وكان خلال هذا اليوم أكثر من عشرة أشخاص من الجنسين كلهم من ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف أنواعها، على أهبة لطرح انشغالاتهم المصحوبة بعرائض مكتوبة موجهة للمندوب المحلي لوسيط الجمهورية، عبد الرزاق مسعودية، حسب ما لوحظ بعين المكان. وحتى و إن اختلفت قصصهم ومشاكلهم فقد اتفقوا جميعا على أن وساطة الجمهورية قد تكون هي "الأذن الوحيدة التي تبقت للإصغاء إليهم بعدما بحت أصواتهم من كثرة النداء وأغلقت في وجوههم أبواب الكثير من الإدارات، وتقاذفهم مسؤولوها بين المكاتب والمصالح، وبين المحلي والمركزي، من دون جدوى". إقرأ ايضا: وساطة الجمهورية تهدف الى رفع الغبن عن المواطن ومن بين الأشخاص الموجودين بعين المكان، مجموعة من المصابين بالقصور الكلوي الذين طلبوا من المندوب المحلي التدخل أمام الجهات المختصة لتحسين ظروف تلقيهم للعلاج بالمصحات وكذا تمكينهم من مختلف الحقوق المرتبطة بإعاقتهم. وعند استفسار أصحاب العرائض عن سبب توجههم إلى وساطة الجمهورية، أجمعوا على أنهم "يعلقون أملهم الأخير على هذه الهيئة خاصة وأن استحداثها جاء من قبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أعلن عن عزمه على محاربة مظاهر البيروقراطية والتعسف الإداري و -الحقرة- و حماية المواطن البسيط وسكان المناطق المحرومة". -- مطالب متعددة وقصص حزينة -- بمقر المندوبية الولائية للوساطة، تحدث الموجودين بالمكان لوأج عن قصصهم الحزينة المليئة بالمعاناة، و التي من الصعب أن يستمع إليها كل صاحب ضمير حي وروح إنسانية دون أن يفعل المستحيل لمد يد العون و لإيجاد حل لتخفيف عبء المقاسات. وهو ما ينطبق على الطالب الجامعي الكفيف عبد الرزاق الذي يبلغ حوالي 20 سنة من العمر وهو في السنة الثانية بقسم الحقوق بجامعة قالمة ويقيم ببلدية بلخير الواقعة على بعد حوالي 2 كلم فقط عن عاصمة الولاية لأن إعاقته جاءت بعد اعتداء جسدي عليه حينما كان طالبا بجامعة قسنطينة سنة2018 ما تسبب له في نزيف حاد على مستوى عينه اليسرى فقد على إثره البصر كليا خاصة وأن عينه الأخرى لا يرى بها سوى بصيصا خفيفا منذ الولادة. وتعد مشكلة هذا الطالب متعددة أولها ضياع قضيته بين أروقة العدالة من دون حصوله على أي تعويض ولا حتى معاقبة الجاني، أما الجزء الثاني من المشكل فيتعلق بمطالبته مندوب وسيط الجمهورية للتدخل من أجل تسوية وضعيته أمام مديرية النشاط الاجتماعي و التضامن التي تطالبه بدفع تعويض قدره 90 ألف دج لأنه كان يجمع بين استفادته من عقد عمل محدد المدة كمقسم هاتف ومزاولته للدراسة الجامعية. من جهته، صرح الشاب هاني ( 22 سنة) من بلدية بوشقوف وهو معاق بصريا بنسبة 99 بالمائة، بأنه متحصل على 5 شهادات تتعلق بمقسم الهاتف والإعلام الآلي للمكفوفين وصناعة المكانس و صناعة علاقات الملابس وكذا شهادة لتعليم المكفوفين "الكتابة على البراي". إقرأ أيضا: وساطة الجمهورية: هيئة مكلفة أساسا بمكافحة البيروقراطية واشتكى قائلا أنه اتصل ب25 وزارة منها وزارة العمل والتشغيل و الضمان الاجتماعي بحثا عن وظيفة لكنه لم يفلح في ذلك ما جعله يطرق باب مندوب وسيط الجمهورية "عسى أن يأتي عبرها الفرج". أما حورية، صاحبة ال48 سنة، وهي يتيمة و معاقة حركيا بذراع مقطوعة، تعمل منذ أكثر من 20 سنة في إطار عقد محدد العمل بإحدى المدارس الابتدائية ببلدية بومهرة أحمد، فمشكلتها الوحيدة هي "تمكينها من الحصول على منصب عمل دائم براتب يكفيها لتغطية حاجياتها زيادة على إمكانية توفير سكن لائق لها بسبب ظروفها السكنية غير المناسبة بالمسكن العائلي". وطلب الشقيقين مهدي و فارس و هما من أصحاب الإعاقة الحركية ويكسبان قوتهما من ورشة خراطة وتفريز، بتغيير محل نشاطهما المهني الذي يوجد بمنطقة معزولة ونائية يقصدها المنحرفون ببلدية بلخير خاصة وأن البلدية -حسبهما- تتوفر على محلات شاغرة بأماكن لائقة. و رغم تحكمهما في صناعة آلات و تجهيزات التأهيل الحركي، فإن طلباتهما المتكررة منذ سنة 2014 لرئيس المجلس الشعبي البلدي و رئيس دائرة قلعة بوصبع، "لم تثمر أي نتيجة"، حسب تصريحاتهما، مشيرين إلى أنهما لم يتمكنا من الظفر بلقاء مع أي مسؤول سابقا. -- عرائض كثيرة مقابل ردود قليلة من الإدارة -- وبالنسبة للمندوب المحلي لوسيط الجمهورية بقالمة، فإن الشكاوى الكثيرة والمتعددة التي تلقتها المندوبية تظهر بما لا شك فيه بأن البيروقراطية التي عششت في مكاتب الإدارة بالولاية لسنوات طويلة "تسببت في ضياع كثير من الحقوق وتكريس -الحقرة- خاصة بالنسبة لسكان المناطق النائية". وقال أنه شخصيا ينحدر من منطقة ظل بإحدى مشاتي بلدية حمام النبائل ويعيش بعض المعاناة التي يسمعها يوميا من أفواه أصحاب العرائض والشكاوى. وأشار إلى أن المندوبية استقبلت منذ 24 سبتمبر 2020، تاريخ بداية نشاطها الفعلي، وإلى غاية نهاية شهر يناير 2021، مجموع 328 عريضة تتضمن انشغالات ومشاكل متنوعة للمواطنين، مفيدا بأن استجابة الهيئات الإدارية العمومية والخاصة للرد عن العرائض الموجهة إليها من قبل المندوبية "ما تزال ضعيفة وتستغرق فترة طويلة". واستنادا للسيد مسعودية، فإن نصف العدد الاجمالي للعرائض التي استقبلتها المندوبية المحلية خلال نفس الفترة تتعلق بمشاكل السكن، في حين توجد عرائض أخرى لانشغالات متنوعة لمواطنين تعرضوا للتسريح التعسفي من العمل أو سكان مناطق الظل. إقرأ أيضا: مندوبية وسيط الجمهورية.. إحدى مفاتيح التكفل الأمثل بانشغالات المواطن وأضاف بأن "جزءا آخرا كبيرا من هذه العرائض يتعلق بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تتمحور انشغالاتهم حول تحسين طروف التكفل بهم بتوفير التجهيزات المناسبة لإعاقة كل منهم وإدماجهم اجتماعيا ومهنيا من خلال إجبار المؤسسات على تطبيق القانون وفق النسبة المحددة وحمايتهم من التعسف". ويبقى عمل المندوب المحلي مضبوطا بما يحدده له القانون والمرسوم التنفيذي المخصص للهيئة وذلك بمراسلة الجهات الإدارية التي لها علاقة بالمشاكل المطروحة وانتظار ردودها حسب ذات المسؤول الذي أبدى أسفه ل" عدم تجاوب الإدارة مع العرائض والشكاوى التي لم تتجاوز نسبة الردود بشأنها لحد الآن نسبة ال 10 بالمائة من إجمالي العرائض" بما يجعلها تسير -حسبه- "عكس التعليمات التي توصي بها السلطات العليا في البلاد".