السيدة بلخير فيرو من ولاية جانت شغوفة جدا بحرفتها في الصناعة الجلدية التقليدية فاضحت رغم سنها المتقدم نموذجا حيا في الحفاظ على هذا التراث الذي تزاوله منذ نعومة أظافرها بعد أن ورثته عن أجدادها في مجتمع الطوارق. وقد ارتبط اسم السيدة بلخير وهي في عقدها السابع من العمر إرتباطا وثيقا بالصناعة الجلدية التقليدية بالمنطقة, حيث أطلق عليها لقب عميدة الصناعة التقليدية بمنطقة الطاسيلي ناجر بامتياز, ذلك أن الزائر لولاية جانت لا يمكنه الاستغناء عن زيارة ورشتها التقليدية بحي "إن أبربر'' العتيق التي تحتوي على معرض تقليدي لتحف فنية التي أبدعت في صناعتها من مفروشات وألبسة وغيرها من المنتجات الجلدية التي تتميز بلمسة تعكس ذوقها الفني الذي تنفرد به في هذا المجال الحرفي. وصرحت هذه الحرفية لوأج أنها أفنت عمرها بالكامل من أجل استدامة هذه الحرفة على اعتبار أنها تمثل إحدى مقومات الهوية التي تعكس ثقافة المجتمع الطرقي وأصالته, سيما وأن الجلد, كما ذكرت, له ارتباط مباشر بالحياة المعيشية للطوارق. ويتجلى ذلك في الخيم واللباس والأثاث والمفروشات التقليدية المصنوعة من الجلد التي يستعملها الطوارق في حياتهم اليومية, الأمر الذي جعل من الصناعة الجلدية بمنطقة الطاسيلي ناجر صناعة تقليدية قائمة بذاتها. وتقوم السيدة بلخير بدباغة الجلد بنفسها وتليينه وإزالة منه الروائح باستعمال مواد نباتية مخصصة لهذا الغرض حتى يكتسب متانة ومقاومة, ثم تقوم بتشكيله وتصنيعه لأغراض نفعية على غرار الألبسة و الأحذية والحقائب والمحافظ, إلى جانب إبداعها في صناعة أنواع من المفروشات وأغلفة الوسائد والمقاعد وأغماد الخناجر. وترى عميدة الحرفيات بمنطقة الطاسيلي ناجر التي كرست حياتها في نشر هذا الموروث الحرفي على أوسع نطاق من خلال مشاركاتها في معارض ومناسبات عديدة داخل الوطن وخارجه, أن "المحافظة على هذا الموروث الثقافي الهام وحمايته من الاندثار لا يتأتى إلا بنشر هذه الحرفة في أوساط الجيل الصاعد''. اقرأ أيضا : عرجان خيرة .. أول سائقة سيارة أجرة بالشلف جمعية لحماية حرفة الصناعة الجلدية التقليدية وضمن هدف الحفاظ على الصناعة التقليدية للجلد, بادرت الحرفية بلخير فيرو إلى تأسيس جمعية '' الطاسيلي للصناعة التقليدية '' بهدف حماية وترسيخ هذه الحرفة وترقية أبعادها الحضارية والاجتماعية والاقتصادية من خلال تكوين فتيات حرفيات لتشجيعهن على امتهان هذا النشاط الحرفي ليس كمصدر رزق فحسب بل بغرض أيضا المحافظة على هذا الموروث المادي الذي يعكس أصالة البيئة الاجتماعية لساكنة الطاسيلي ناجر. في ذات الإطار, أشاد مدير السياحة والصناعة التقليدية والعمل العائلي بجانت لمين حمادي بما تقدمه السيدة بلخير من أجل المحافظة على الموروث المادي بالمنطقة, سيما الصناعة الجلدية التقليدية التي تحظى, كما قال, بعناية واهتمام كبيرين على غرار باقي الصناعات التقليدية الأخرى. وأشار بالمناسبة أن المرأة في مجتمع الطوارق تشكل عصب الصناعة التقليدية وركيزة أساسية في النسيج الإجتماعي, بالنظر لما تقوم به من دور كبير في المحافظة على التراث الحرفي من خلال ما تصنعه من منتجات تقليدية متعددة يستخدمها المواطنون في حياتهم اليومية. وأبرز المدير أن هذا النشاط الحرفي التقليدي يستدعي دعم ومرافقة هذه الشريحة وتشجيعها من خلال استحداث فضاءات تسويق دائمة لهذا النوع من الصناعات التقليدية الأصيلة.