أبرز الرئيس الأول للمحكمة العليا, عبد الرشيد طبي, الجهود التي تبذلها الجزائر في مجال تبني وسائل الحوكمة الالكترونية والاسراع في تعميمها, "لاسيما في الآونة الاخيرة, بسبب الضرورة الملحة التي فرضتها جائحة كورونا". وأوضح السيد طبي في مداخلة له بواسطة التحاضر المرئي عن بعد, خلال اجتماع القاهرة الخامس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الإفريقية (من 11 الى 15 يونيو الجاري), حول موضوع "العدالة الالكترونية والتحول الرقمي: المحكمة العليا الالكترونية ,نموذج", أن العالم "يشهد تطورا سريعا ومتواصلا نحو تبني وسائل الحكومة الالكترونية من قبل مختلف المؤسسات وعصرية أساليب الحياة بغرض تسهيلها باستعمال تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة في تسيير جميع مناحي الحياة اليومية للدولة والمواطنين على حد سواء وتعميمها على مختلف القطاعات والمجالات". وتابع قائلا أن الجزائر "سعت منذ سنوات إلى مسايرة هذا التطور والإسراع في تعميمه في الآونة الأخيرة نظرا للحاجة الملحة التي فرضتها الظروف المعاشة, لاسيما بعد ما شهدته من تفشي جانحة كورونا على غرار باقي بلدان العالم", لافتا الى أنه "من مظاهر هذا الاهتمام قيام رئيس الجمهورية, لأول مرة, في إطار تعديل حكومي, بتعيين وزير مكلف بالرقمنة والإحصائيات". وفي ذات السياق, أشار السيد طبي الى أن مشروع المحكمة العليا الالكترونية "يعد أحد الاليات المسطرة لتنفيذ إصلاح العدالة في شقه المتعلق بعصرنة القطاع, والرامي الى التقاضي الإلكتروني". ويهدف هذا المسعى --يضيف السيد طبي-- الى "عصرنة أساليب عمل القضاة من خلال الاتجاه نحو التخلي كليا عن الملفات الورقية واعتماد الملف الرقمي الذي يتيح سهولة تبادل الوثائق, سواء بين أمانة الضبط والقضاة أنفسهم", وهو ما من شأنه --مثلما قال-- أن يؤدي الى "سرعة الفصل في الملفات القضائية وإضفاء الشفافية في معالجتها والرفع من وتيرة الفصل في ملفات الطعون والقضاء على التأخير السجل في هذا المجال". كما تسمح الارضية الرقمية للمحكمة العليا, التي تم الشروع فيها, بالقيام بمختلف الاجراءات القضائية من بينها "التوزيع الكتروني للملفات على رؤساء الغرف وتمكينهم من توزيع ملفات الطعون على المستشارين وتحميلها عبر الشبكة المعلوماتية وإعداد التقارير بشأنها". اقرأ أيضا : عدالة: مشروع تمهيدي لأمر يتعلق بحماية المعلومات والوثائق الإدارية وعلاوة على ذلك, أوضح الرئيس الاول لمحكمة العليا أن هذا المشروع "يسمح في المستقبل بإجراء المداولات عن بعد كلما دعت الضرورة", مبرزا أنه "منذ مطلع سنة 2021, تم اختار نظام العمل الجديد في أربعة (4) اقسام نموذجية وذلك تحضيرا لتعميمه على كل التوكيلات القضائية للمحكمة العليا". حوكمة وسائط التواصل الاجتماعي تقتضي ضبط استخدامها كما تطرق السيد طبي في مداخلته الى الحوكمة القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي, مؤكدا أنه "مع التزايد المستمر لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات, كان لزاما ضبط هذه الأخيرة", معتبرا ذلك "إحدى المعارك الجديدة الناتجة عن استغلال هذه المنصات وتحويلها لأدوات سياسية وإبعادها عن دورها الاجتماعي الأصلي", لافتا بالمناسبة الى ان "الكثير منها اضحى وسيلة لنقل الشائعات والأخبار المغلوطة والأحداث الملفقة". وتابع قائلا بأن "حوكمة وسائط التواصل الاجتماعي تقتضي سن التشريعات واتباع السياسات والإجراءات التي تضبط استخدامها", مشددا على ضرورة أن "تغطي منظومة الحوكمة ضرورة إبراز هوية المستخدم وعدم ترکه مجهولا, التدقيق في محتوى المنشور ذاته, الى جانب المسؤولية القانونية التي تقع على عاتق صاحب الحساب". وفي سياق متصل أكد المتدخل أن هذه الشبكات "صارت تلعب دورا فعالا في تكوين الرأي العام, بالنظر الى تميزها بالسرعة الفائقة لإيصال المعلومة ومواكبة الحدث", وهو ما يفسر --مثلما قال-- "استهواءها من التنظيمات السرية أو الإرهابية وصارت بذلك مجالا خصبا تنشط فيه هذه الاخيرة لإيصال رسائلها للجمهور". وبخصوص القواعد القانونية الضابطة لهذه المنصات, ذكر السيد طبي بالاطار القانوني في الجزائر المتعلق بهذا الجانب, على غرار القانون رقم 04/09 المؤرخ في 2009/08/05 المتضمن القواعد الخاصة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال, والذي حدد "التزامات مقدمي الخدمات کمساعدة السلطات المكلفة بالتحريات القضائية وحفظ المعطيات التي تسمح بالتعرف على مستعملي الخدمة أو بالتعرف على المرسل أو المرسل إليه وكذا عناوين المواقع المطلع عليها". كما أنشأ القانون المذكور هيئة وطنية تسمى "الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها", تتمثل مهمتها الأساسية في "تنشيط وتنسيق علمليات الوقاية من هذه الجرائم ومساعدة السلطات القضائية الضبطية والقضائية في التحريات, الى جانب مهامها المتعلقة بالتعاون مع نظرائها في الخارج قصد تبادل المعلومات المفيدة في التعرف على مرتكبي هذه الجرائم". وفي سياق ذي صلة, تناول السيد طبي قوانين أخرى تخص هذا الموضوع من بينها القانون المحدد للقواعد العامة المتعلق بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والقانون المتعلق بالتجارة الالكترونية والقانون المتعلق بحماية الاشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي, الى جانب القانون الذي تم اصداره سنة 2020 والخاص بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها. كما كشف ذات المتحدث ان "السلطات العمومية تقوم بتحضير قانون ينظم الصحافة الالكترونية وخدمة المواقع الاخبارية وشروط اعتمادها نظرا للانتشار الواسع لهذه الاخيرة في ظل عدم وجود قانون خاص يحكمها ويحدد ضوابطها". إبراز تجربة الجزائر في مكافحة الارهاب ميدانيا وتشريعيا وفي تعقيب له حول موضوع "مكافحة الارهاب تحت رقابة القضاء", أكد السيد طبي أن الجزائر "كانت أكثر الدول تضررا من الإرهاب ودفعت ثمنا غاليا في مكافحته لإنقاذ الدولة الوطنية, كما واجهت بمفردها هذه الظاهرة لمدة حوالي عشر سنوات", لافتا الى أن العالم "لم ينتبه إلى مأساتنا إلا بعد أحداث سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية". وفي ذات الشأن, أشار الرئيس الاول للمحكمة العليا الى أن الجزائر "أعدت تشريعات وطنية لمكافحة هذه الآفة ونسقت جهودها مع المجتمع الدولي في ظل احترام الاتفاقيات الدولية, ناهيك عن سعيها لإيجاد التوازن المطلوب بين دواعي مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على الحقوق والحريات". وذكر السيد طبي في ذات السياق الى أن الجزائر "بادرت بالدعوة الى تجريم دفع الفدية مقابل الافراج عن الأشخاص المخطوفين لتجفيف منابع الإرهاب, إيمانا منها بأن التمويل المالي هو السلاح الفتاك في يد الإرهابيين", بالإضافة الى قيامها بتعديل قانون العقوبات من خلال "توسيع تعريف الفعل الإرهابي إلى كل تخريب يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وإنشاء قائمة وطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية".