شكل إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 "نصرا جديدا" للثورة التحريرية المظفرة التي دعمت كفاحها المسلح بالعمل السياسي الخارجي وبالضغط الدبلوماسي المستمر على المستعمر الفرنسي من أجل استرجاع السيادة الوطنية، حسبما أبرزه أساتذة جامعيون. و كان هذا الإعلان وفقا للآراء التي استقتها وأج من عدد من الأساتذة الجامعيين, انتصارا للدبلوماسية الجزائرية التي أبانت خلال المفاوضات بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والحكومة الفرنسية عن "حنكة المفاوض الدبلوماسي الجزائري المتمسك بالثوابت الوطنية الراسخة". و أبرز أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة "ابن خلدون" لتيارت البروفيسور محمد بليل, أن "عبقرية المفاوض الجزائري مكنت من تحقيق أهداف بيان أول نوفمبر ولاسيما من خلال الحفاظ على الوحدة والسيادة الوطنية كاملة غير منقوصة". و بعد أن تطرق إلى مختلف مراحل المفاوضات بين وفد الحكومة المؤقتة و وفد فرنسا آنذاك, قال نفس الجامعي أن اتفاقيات إيفيان "أقبرت كل المكائد التي زرعها المفاوضون الفرنسيون وألقوا بها على طاولة التفاوض مع إسقاط كل الأطروحات التي كانت تمس وحدة الأمة والتراب الوطني والتمثيل مع إقرار المبادئ التي تحدد العلاقات المستقبلية بين الطرفين التي تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون". -- تعميق الدراسات حول مفوضات إيفيان ونقلها للأجيال الجديدة -- من جهته, أكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة "طاهري محمد" لبشار, الدكتور عبد القادر سالاماني, على ضرورة تعميق الدراسات التاريخية والتوثيقية حول مفاوضات إيفيان الأولى والثانية ونقلها للأجيال الجديدة في سياق الحفاظ على الذاكرة الوطنية. و أضاف المتحدث أن "ثبات الموقف الجزائري من خلال اللاءات الثلاثة التي فرضها على طول المسار التفاوضي والمتعلقة بالوحدة والسيادة الوطنية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري ومواجهته لكل المناورات الفرنسية ولاسيما ما تعلق بفصل الصحراء, يجب أن يحظى بالاهتمام الأكاديمي والبحثي اللازم". و في هذا الإطار, أشار الدكتور سالاماني الى أن المفاوض الجزائري "نجح وهو مدعوم بالجبهة الداخلية والضغط الدبلوماسي, في تحييد المزاعم الفرنسية حول مناطق جنوب البلاد التي حاول المستعمر الفرنسي فصلها بعد الاكتشافات النفطية في 1956 وإنشاءه المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية سنة 1957". و أضاف: "لقد سقط مشروع فرنسا الذي كان يهدف إلى الاستغلال والتوسع الاقتصادي بالجنوب خلال هذه المفاوضات بفضل ثبات موقف وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الذي لم يتنازل عن أي شبر من التراب الوطني". كما أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة "عبد الحميد بن باديس" بمستغانم, الدكتور محمد حسان دواجي, أهمية الشق السياسي المتعلق بهذا الحدث التاريخي, مشيرا إلى أن اتفاقيات إيفيان "محطة مهمة في التاريخ الدبلوماسي الجزائري وهي مرجع أساسي للسياسة الخارجية والمبادئ والقيم التي تدافع عنها الجزائر". و رافع الدكتور دواجي من أجل إنشاء مراكز بحث بالجامعات ومعاهد العلوم السياسية للقيام بدراسات "تتجاوز البعد التاريخي والسياسي إلى الأبعاد الأخرى النفسية والاجتماعية المتعلقة بهذا الحدث ولاسيما فيما يخص إدارة المفاوضات والدفاع عن المواقف الثابتة والتجند لخدمة القضايا الوطنية".