يتطلع مسرحيون جزائريون, إلى منظومة متوازنة ودائمة لتوزيع العروض محليا وطنيا بعيدا عن المشاركات الظرفية والمناسبات, تحقق لهم الديمومة في النشاط والتنوع في التجربة أمام أكبر قدر من المشاهدة والفرجة. ويتجدد الحديث عن منظومة توزيع العروض المسرحية في الجزائر, بمناسبة تنظيم المهرجان الوطني للمسرح المحترف, إذ يجمع مسرحيون على وجود "ثغرة" في مسارهم الإبداعي الذي يحتاج إلى شبكة توزيع متكاملة وغير منقطعة تضمن سيرورة النشاط المسرحي وتحقق الفائدة الفنية والتجارية في أحسن الأحوال. وترفع عدة أطراف تساؤلات بخصوص "مصير الأعمال المسرحية المقدمة" في إطار الفعاليات التي تنظمها وزارة الثقافة والفنون أو المؤسسات التابعة لها, وتبحث عن إجابات بخصوص ما تنتجه المسارح الجهوية فيما إذا كانت "توزع جماهيريا أم هي مجرد أعمال نخبوية تعرض في المهرجانات". ويجيب ناصر خلاف, مدير المسرح الجهوي الجلفة, بالقول "إن منظومة توزيع العروض المسرحية الحالية تختلف عن ما كان سائدا في سنوات الثمانينات والتسعينيات, واليوم تنتج العروض في غياب دورة تجارية وتوزيع فني", مؤكدا أن "الحياة المسرحية مرتبطة بالتوزيع وليس بالمهرجانات, ذلك أن آليات التوزيع تختلف من مسرح إلى آخر, وترتبط بالميزانية المخصصة لهذه المؤسسات". و"لم تصل المؤسسة المسرحية بعد, إلى فكرة أنها مؤسسة إنتاج وتوزيع في نفس الوقت, وتعمل على ذلك طيلة الموسم المسرحي الذي يمتد على مدار السنة ولا يرتبط بالمناسبات والمواسم", وفق ذات المتحدث, الذي اقترح وضع "آليات جديدة للتوزيع تسمح للعروض بالخروج من المدن والوصول إلى فضاءات جديدة تابعة لمؤسسات اقتصادية وتجمعات سكانية في الصحراء". من جهته, يعترف المخرج كريم بودشيش مخرج مسرحية "صيف إفريقي", بأن "الظروف الحالية للمسارح الجهوية تجعلها غير قادرة على وضع برنامج وإستراتيجية توزيع واضحة الأفق, لأن الأمر يتطلب أموالا كبيرة", مضيفا في هذا الشأن أنه يصعب على فرقة مسرحية تتكون من 20 عنصرا التنقل عبر 10 ولايات, لأن الجولة الفنية "مكلفة وقد تعادل ميزانية عمل مسرحي جديد". من جهة أخرى, تحاول بعض المسارح "التأقلم" مع المعطى الاقتصادي الحالي بإيجاد دعم مالي يحقق المعادلة الاستثمارية في العمل الفني مقابل الربح التجاري, إلا أنها -يقول بودشيش- "خطوة لم تعط ثمارها الحقيقية بعد بسبب عدم تفاعل المؤسسة الاقتصادية مع الفعل الثقافي". وعن تجربته مع فريق العمل الذي انتجه المسرح الجهوي "محمد طاهر فرقاني" بقسنطينة, قال بودشيش أنه توصل "بصعوبة إلى 20 عرضا مسرحيا على المستوى الوطني", إلا أنها كانت عروضا متفرقة وغير متسلسلة في الزمن كما أنها "لم تكن عروضا تجارية بالمعنى الحقيقي, لأن إمكانيات المسارح لا تسمح بشراء عروض". وتلجأ أغلب المسارح, أمام هذا الوضع, إلى "حل يساعد على الحركية", والمتمثل في إبرام اتفاقيات تعاون وتبادل الأعمال, لاستقبال المسرحيات وتوفير شروط الإقامة والإطعام والنقل وغيرها. ولتوزيع مسرحية "نساء كازانوفا" مثلا التي أخرجها ركحيا علي جبارة, وأنتجها المسرح الجهوي لبجاية, يقول مديره حيدر بن حسين, أنه "بناء على اتفاقيات التعاون والتبادل مع بعض المسارح الجهوية ودور الثقافة قمنا بتوزيع العمل الجديد". ويسجل بن حسين, وجود وضع "غير متزن" في هذه العملية, لأنها ترتبط أساسا بالظروف المادية للمسرح المنتج وللمسارح المتعاونة, ويتساءل عن "عدم مساهمة دور الثقافة المنتشرة عبر التراب الوطني وغيرها من الفضاءات في إثراء الشبكة". وعلى ضوء تجربته في فرقة "التاج" لبرج بوعريريج, يقول عبد الحليم زدام, أن "مشكلة توزيع العروض مطروحة أيضا لدى الفرق والجمعيات المسرحية وليست فقط المسارح كمؤسسات قائمة بذاتها, فالجميع بحاجة إلى رسم مسار ديناميكي يضمن الديمومة للعمل المسرحي ويمنح الجمهور الحق في استهلاك الفن أينما كان". وتمنح شساعة الجزائر وتنوع مناطقها, في نظر زدام, فرصة كبيرة وخيارا لتنويع العروض قد تتجاوز 80 عرضا إلا أن الجولة الفنية الحقيقة بحاجة إلى امكانيات معتبرة تليق بالأعمال المسرحية التي يتم إنتاجها حاليا والتي استطاعت أن تنافس غيرها في المحافل الدولية.