تتواصل في المغرب الأصوات المنددة باستشراء كل أشكال الفساد وهدر المال العام والريع، التي أنهكت المواطن البسيط الذي يتجرع وحده علقم الأزمات الخانقة في المملكة، مطالبة بضرورة الانخراط الفعال في الحركات الاحتجاجية دفاعا عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وندد في هذا السياق المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي في بيان له، ب"كل أشكال الفساد والريع التي يعرفها المغرب"، معتبرا أن البلد يمر ب"ظرفية سياسية بالغة التعقيد سماتها الأساسية تحكم النظام المخزني في اللعبة السياسية وفي دائرة القرار السياسي والاقتصادي و إفساد الحقل السياسي من خلال تعميق علاقة الولاءات السياسية بأجهزة الدولة". ومقابل ذلك، سجلت فيدرالية اليسار "تهميش الفعل السياسي الديمقراطي والقوى المعارضة المستقلة، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، ونهج سياسة الإفلات من العقاب في جرائم الفساد ونهب المال العام، والتضييق على الحريات وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا". ولعل آخر و أكبر حادثة لاستشراء الفساد التي اثارت استياء شعبيا وسياسيا كبيرا في البلاد، هو المساس بقطاع العدالة بعد فضيحة امتحان الولوج لمهنة المحاماة، وهي الحادثة التي نددت بها الفيدرالية و اعتبرتها "فضيحة سياسية وأخلاقية تتطلب محاسبة دستورية وسياسية وقضائية، وتستدعي من السلطات إلغائها". ولهذا الغرض، دعا الحزب إلى المحاسبة في كل حالات الفساد وهدر المال العام والريع والامتيازات، والتي تشكل أحد أسباب الازمة الاقتصادية الخانقة والارتفاع المهول للأسعار وتعميق الفوارق الاجتماعية. واستنكر الحزب "استمرار الدولة في تجاهل المطالب الديمقراطية والاجتماعية العادلة لعموم المواطنين، والتراجع عن بعض مكتسبات الشعب المغربي في العيش الكريم وضرب ما تبقى منها في العديد من الميادين، من بينها الحق في الشغل وتردي الخدمات العمومية، وما يتضمنه القانون المالي الحالي خير دليل على ذلك". وشدد المكتب السياسي على ضرورة "القطع مع المقاربة الأمنية و اقتصاد الريع، والتأسيس لملكية برلمانية، ومباشرة إصلاح مؤسساتي عميق على قاعدة السيادة الشعبية، واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد والمفسدين وعدم الإفلات من العقاب". وجدد الحزب مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحافيين والمدونين والكف النهائي عن التضييق على حرية الرأي والتعبير، معبرا عن دعمه للخطوات النضالية التي تتخذها الجبهة الاجتماعية والقوى النقابية المناضلة لمواجهة الوضع الاجتماعي المتأزم، كما دعا مناضليه إلى الانخراط الفعال في الحركات الاحتجاجية التي تعرفها العديد من القطاعات والمناطق دفاعا عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ورفضا للفساد والنهب والتهميش والاستغلال وضد التطبيع. وكانت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد بالمغرب، قد أكدت من جهتها إن "ثنائي الفساد والاستبداد أفسد كل شيء في المغرب"، مشيرة إلى أن "حزبها لا يكتفي بالتنديد بالفساد، بل يتقدم بمقترحات مهمة، ولو من خارج البرلمان، لكن لا تعرف طريقها إلى التنفيذ ولا يتم إخباره بمصيرها". وحذرت الأمينة العامة من إقدام حكومة عزيز أخنوش على حل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، كاشفة عن أن "بضع شركات المحروقات في المغرب استفادت من 48 مليار درهم (حوالي 3ر4 مليار يورو) في الآونة الأخيرة، تنضاف إلى استفادتها ما بين 2015 و 2018 من مبلغ 17 مليار درهم (5ر1 مليار يورو)، بينما المواطن المغربي يعاني". وشددت ذات المسؤولة على أنه بسبب الانتخابات المزورة، أصبح البرلمان "ممتلئا بالمفسدين والأميين والمتابعين قضائيا". == رئيس الحكومة أول مسؤول عن سياسة الريع وتوسع دائرة الفساد == ولازالت العديد من الأوساط الشعبية والنقابية والحقوقية توجه انتقاداتها لما انتجته سياسة الريع المتبعة من قبل "حكومة الأعيان" الرافضة لمحاربة الفساد الذي أنهك الاقتصاد في المغرب وجيوب المواطن البسيط. فحكومة أخنوش تميزت بكونها أول حكومة مغربية يواجهها الشارع باحتجاجات واسعة خلال الأسابيع الأولى التي تلت مباشرتها مهامها، ووصف رئيسها بأنه رمز من رموز "زواج المال والسلطة"، ناهيك عن الأصوات المغربية التي تؤكد "ضعف مشروعيتها وغرابة ظروف تعيينها". كيف لا يحدث ذلك وسجل الرجل لا يخلو من المواجهات مع الشعب على غرار ما حصل عام 2018 خلال حملة المقاطعة الاقتصادية التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي و انتقلت إلى الواقع، وشملت 3 علامات تجارية من بينها شركته الخاصة بتوزيع المحروقات. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل بلغ تدني سياسة الحكومة المغربية إلى غض النظر عن الفساد ورفضها محاربته، فقد كشف أخنوش عبر العديد من القرارات على أن هذه المسألة ليست من أولوية حكومته، وهو ما ظهر جليا خلال سحبها لقانون يجرم الإثراء غير المشروع. وكان تجريم الإثراء غير المشروع من أهم المخرجات التي اقترحتها هيئة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في المغرب، وظهور الحاجة إلى مشروع قانون جنائي جديد، لكنه تعثر بعد سنوات من العرقلة حتى تم سحبه من طرف حكومة عزيز أخنوش، في خطوة أدينت على نطاق واسع من قبل المعارضة وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية. ويوضح رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، في هذا الشأن أن "سحب المشروع وتجميد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2015-2025)، فضلا عن كون البرنامج الحكومي لا يتضمن ما يفيد بالرغبة في التصدي للريع والفساد، يشكل مؤشرا على أن الحكومة لا تعنيها قضية محاربة الفساد والرشوة". كما يعتبر الغلوسي سحب المشروع "رضوخا لبعض المراكز والمواقع القوية المستفيدة من واقع الريع والفساد، التي ليست لها مصلحة في إصلاح ديمقراطي حقيقي يؤسس لفصل السلطات والتوزيع العادل للثروة، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة".