يحي سكان وادي ميزاب بغرداية ككل سنة منذ مطلع شهر ربيع الأول من السنة الهجرية ذكرى مولد خير الأنام وسط أجواء روحانية تتخللها أنشطة متنوعة يتم من خلالها استعراض جوانب من سيرته العطرة التي تتجلى فيها عظمة الإسلام. وتعرف هذه المناسبة الدينية السنوية إقامة جلسات مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد صلاة المغرب عبر كافة مساجد قصور غرداية ومتليلي وزلفانة والمنصورة والقرارة وبريان. وحسب الحاج بكير أحد سكان حي بن غانم (غرداية), ''تشكل مناسبة المولد النبوي الشريف فرصة لإبراز رسالة الدين الإسلامي الحنيف التي نشرها الرسول الأعظم وتلقين السيرة النبوية العطرة للأجيال الناشئة''. وعادة ما يستقطب الاحتفال بهذه المناسبة الدينية زوار من مختلف مناطق الوطن إلى جانب الجالية المقيمة في الخارج للمشاركة في السهرات الدينية التي تنطلق منذ اليوم الأول من شهر ربيع الأنوار "ربيع الأول" والتي تتواصل إلى غاية سهرة 11 من نفس الشهر, بعد صلاة العشاء, والتي تمثل ليلة مولد رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام, حيث تبلغ الاحتفالات ذروتها في هذه الليلة المباركة, بحضور كوكبة من العلماء والمشايخ, وفق المتحدث ذاته. ومن جهته, يرى الحاج مختار أحد سكان حي الحاج مسعود أن ''إحياء هذه الذكرى العطرة تعد مناسبة للتذكير بمكانة السنة النبوية الشريفة في الممارسة الروحية للفرد المسلم, والتي تمثل النموذج القويم الذي ينبغي أن يقتدي به كل مؤمن''. كما تعيش قصور وأحياء مدينة غرداية على وقع احتفالات وعادات متوارثة تستأثر باهتمام المواطنين والسياح كما هو الشأن بعادات قصر بني يزقن التي تميز هذا اليوم من شهر ميلاد سيد الأنام المتمثلة في إقامة استعراض ليلي بهيج عبر الأزقة الضيقة للقصر لجموع من المحتفلين من مختلف الأعمار سيما الأطفال الذين يتوشحون بملابس تقليدية بيضاء وينشد الجميع مدائح محمدية عبر شوارع القصر حاملين أقداح زيتية تقليدية مضيئة تعرف محليا ب" إينارن" في مشهد في غاية الروحانية وذلك تعبيرا عن ابتهاجهم بميلاد خير البرية. == إعادة إحياء عادات متوارثة == وأشار السيد قاسم إطار سابق بولاية غرداية والمنحدر من منطقة القرارة, إلى أن سكان المنطقة يحيون شعائر الاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلام عبر كافة القصور لنقلها للأجيال القادمة. وأضاف قائلا : ''نحن نسعى للحفاظ على هذه التقاليد المتأصلة في مختلف قصور ميزاب ونقلها للأجيال الصاعدة ونشرها وفق مبادئ الإسلام وهدي النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام''. ويشكل هذا الاحتفال الديني بالنسبة لسكان غرداية, موعدا لتلاوة القرآن الكريم وترديد مدائح نبوية واستذكار مناقب وخصال النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, وكذا التضرع إلى المولى عز وجل أن يغدق السلم والاطمئنان على هذا البلد, مثلما أشير إليه. ولا تزال هذه العادات والتقاليد راسخة لدى سكان غرداية بالرغم من الحداثة التي أصبحت تميز الاحتفال بهذه المناسبة الدينية والمتمثلة في المفرقعات والألعاب النارية التي يلجأ لها البعض. ويعد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فرصة لجمع شمل الأسرة الكبيرة وقضاء أوقات عائلية ممتعة في أجواء من التآخي وصلة الرحم مع تحضير الطبق التقليدي ''أوشو تيني'' (الكسكسي بالتمر) والذي يعد طبقا رئيسيا في هذه المناسبة الدينية, وعادة ما يكون مصحوبا بصينية الشاي الأخضر ترافقه صحون من الفول السوداني والجبن المحلي المعروف محليا باسم "الكمارية".