''الحافلة تسير'' ولم يكن فيها، لقد غادرها تاركا وراءه ذكراه، فقد كان وما زال عز الدين مجوبي أحد أعمدة المسرح الجزائري، وهو الذي غادر ''عالم البعوش''، دون أي سابق إنذار بعد أن اغتالته أيادي الغدر لا لشيء إلا لأنه بقي وفيا لفنه ولبلده، ف ''غابو الأفكار'' بعد 15 سنة من الرحيل بعيدا عن ركح المسرح الذي عاش له وفيه واستشهد بالقرب من حضنه، ف ''قالوا العرب قالوا''، ولكن غاب الملموس وغابت المبادرات لإحياء ذكراه الخالدة· لم ترد أيدي الغدر أن يواصل مسيره، فوقف شبح الموت في طريقه، فكان للقدر دوره في أن ينهي مسيرته الحافلة بالإنجازات الخالدة في الفن الرابع الجزائري وهو لم يصل إلى محطته الخامسة من العمر بعد، فرحل وهو لم يتجاوز 48 سنة، وغطت العشرية السوداء بعتمتها كل ما يضيء، وكان من بين الشموع التي نفخ فيها لتنطفئ لأنها تنير الدروب وربما لأنها تكشف عن المستور الذي لا يجب أن يظهر للعيان· أتى عز الدين مجوبي إلى الحياة ورأى النور في سنة 1947 وكانت سكيكدة مسقط رأسه، وشاءت الأقدار ألا يسقط رأسه وهو ضحية وابل من الرصاص الذي سكن جسده النحيل، لتكون آخر مرة يرى فيها النور بالقرب من المسرح الوطني الجزائري، ليستلقي للحظات قرب والده الروحي محي الدين بشطارزي، الذي لو كان حيا لأراد اعتناقه واحتضانه للأبد، عرفانا وشكرا لما قدمه للفن الرابع وعلى مواصلته لما بدأه الأولون في أحلك السنوات التي عاشتها الجزائر· كان هدفه أن يحيا المسرح الجزائري في وقت ماتت فيه كل الآمال في لحظات من الهدوء، فكانت حياته ثمنا لذلك، فمات هو ليحيا الركح الذي عاش فيه ومات فيه، وانتقل إلى ذلك المسرح الأبدي بجوار المليون ونصف مليون شهيد وبالقرب من كل من قدموا حياتهم قربانا لحياة أفضل، فرحل عن الدنيا في 22 فيفري سنة ,1995 لكن روحه ما زالت تجوب بطلاقة أرجاء المسرح، وذكراه ما زالت حية في قلوب كل من عاش معه أو عايشه أو عرفه ولو من بعيد· كان عز الدين مجوبي ممثلا ومخرجا كبيرا، وسيبقى كبيرا دائما، الكبار لا يموتون، وقد بدأ نشاطه كممثل مع مطلع الستينيات، وتقلد بفضل براعته وتميزه عدة أدوار في المسرح والسنيما، كان الممثل الأساسي لمسرحية ''حافلة تسير'' رفقة الفنانة دليلة حليلو سنة ,1985 ومخرج مسرحية ''غابوا الأفكار'' ومسرحية ''عالم البعوش'' التي عرفت نجاحا واستحقت بجدارة جائزة أحسن إخراج في مهرجان قرطاج للمسرح بتونس، أما الاقتباس فقد كان من حظ مسرحية ''قالوا العرب قالوا'' من إخراج زياني شريف· تقلد مجوبي عدة مناصب إدارية، فعين مديرا للمسرح الجهوي لباتنة ثم للمسرح الجهوي لبجاية، كانت له تجربة إعلامية، حيث قام بتقديم حصة تهتم بالشعر برفقة جمال عمراني في القناة الثالثة باللغة الفرنسية، أما في السينما فقد مثل في فيلم مالك حمينة الذي يصور أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر· كان همه الدفع بعجلة المسرح للحركة، في فترة عصيبة فر أثناءها العديد إلى خارج الوطن، حيث استلم إدارة المسرح الوطني الجزائري، وحاول سن وتنظيم مسرحيات شهرية على مدار السنة، حث مجوبي في مساره المسرحي على مكافحة الإرهاب والتمسك بالوطن، كما دعا الجمهور من خلال مسرحياته إلى رفض أي شكل من أشكال العنف والمضي قدما إلى الأمام، لكن هذا العنف الذي طالما حاربه أخذ منه تحدي المستقبل وسلبه حياته لتبقى ذكراه الطيبة في قلب كل جزائري·