منذ مدة توارى الحديث عن حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي أمام الأحداث السياسية المتوالية في العراق، التي كان آخرها الانتخابات البرلمانية وسط أجواء مشحونة بالرعب والخوف والتفجيرات الدموية، غير أن العارفين بخبايا الأمور في ''أرض الشقاق'' كما سماها الحجاج بن يوسف الثقفي ذات يوم، يدرك أن حذاء الزيدي الذي أصبح أيقونة الانتفاضة ضد الظلم، كان حاضرا بقوة في هذه الانتخابات على أكثر من صعيد، ومع ظهور النتائج الأولية أدركت كم كان حذاء الزيدي مؤثرا ومنعرجا في تاريخ العراق المعاصر وربما في مستقبله البعيد· وهنا أستعيد رأي المفكر العراقي البارز فاضل الربيعي الباحث في الميثولوجيا العربية القديمة وربطها بالواقع المعاصر، ففي معرض تحليله لحادثة اعتداء مراسل قناة ''البغدادية'' على الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وفي وقت ركّز فيه أصحاب النظرة الضيقة على الجانب الأخلاقي والقانوني لاعتداء صحفي على رئيس أكبر وأقوى بلد في العالم، جاءت نظرة الربيعي ثاقبة وعابرة للوقائع الضيقة، وقال أن من شأن حركة قام بها شاب محسوب على المذهب الشيعي الذي اتهمه بعض أهل السنة بالعمالة للأمريكان مرة وللإيرانيين مرة أخرى، من شأنها أن توحد العراقيين وتجمعهم أمام ''أسطورة'' عصرية بالفعل، تماما كما وحّد قديما ذلك الأعرابي بين مختلف القبائل العربية عندما قضى حاجته البيولوجية داخل الكعبة التي بناها القائد الحبشي أبرهة وأرادها بديلا للكعبة المقدسة في مكة، وكانت حادثة الأعرابي تلك كفيلة بتوحيد البدائل العربية التي هزمت أبرهة بكل جبروته شر هزيمة· وحسب المفكر فاضل الربيعي، فإن مشكلة العراق عبر القرون تكمن في انعدام وجود أسطورة توحد العراقيين، وفي غياب تلك الأسطورة كانت بالفعل أرضا للشقاق والفتن الدموية بين مختلف الطوائف والجامعات الدينية المتطرفة، لكن كل ذلك من شأنه أن يتحول إلى ماضٍ، وجاءت التباشير الأولى للعراق الجديد مع النتائج الأولية للانتخابات التشريعية، وبعيدا عن التزوير والتجاوزات التي تكون قد حدثت في هذا البلد الذي يبقى عربيا وعالمثالثيا بامتياز، فإن الجديد الملفت هو التقدم اللافت لقائمة ''العراقية'' بزعامة إياد علاوي، وهو سياسي عراقي بارز سبق له وأن احتل منصب رئاسة وزراء العراق قبل أن يذهب ضحية تعصب مذهبي ويصعد التيار الديني الشيعي إلى سدة الحكم في العراق، وإياد علاوي وإن كان شيعيا فهو شيعي علماني، وعمد إلى توحيد مختلف طوائف العراق في قوائمه الانتخابية التي تضم الشيعة كما تضم السنة، والمفاجأة أنه تمكن من اكتساح محافظة مثل كركوك المحسوبة على الأكراد، وبذا توحد أكراد العراق وسنتهم وشيعتهم وأقلياتهم في قائمة تجمع مختلف تلك الطوائف وتتجاوزها لصالح العراق الموحد المدني الذي يجمع الكل في سلام وبعيدا عن أي تعصب· لقد جاءت هذه النتائج ولو بشكل محتشم كخطوة أولى في سبيل بناء عراق ما بعد الشقاق، وأعتقد أن نتائج هذه الانتخابات جاءت كخطوة ثانية، بعد الخطوة التي أقدم عليها الصحفي منتظر الزيدي الذي سيكون الرمز الموحد للعراق المستقبلي، وهو الذي دخل دائرة الخلود ولو عن طريق حذائه·