مجالسة العزلة ترفع الغبن الإنساني والتّفكّر في المصائر ملهم للنّجاة من راسب ''التّعصّب النّفسي'' ، تلك هي خلاصة الإمتاع الذي وجده قارئ الرواية الصينية ''قصّة الممالك الثلاث'' ، بحيث لا أحد يتكالب على رائحة الكلب في روحه ، فعلى غير العادة كان يقول صاحب أكبر رواية صينية '' لو قوان تشونغ 1310/''1385 أن الحياة المنتظمة على إيقاع العقل تتجرّد دائما من الأمراض المستعصية في خبايا الناس ، كما ليست النّظم الاجتماعية العاقلة - وهو الروائي المعاصر لأسرة الملك يوان والملك مينغ - تتصالح مع الخدوش ، بل تعتمدها في الغياهب ، حتى لا تتناغم مع الجمال الحضاري في هويّة هذا الشعب الذي تحكيه الرواية · هذا المستهل من الحكي ، يحيل إلى مرجع الرواية التي تقول من أجل التفريغ وتفريخ أورام شخوصها الواقعية وتلك التي في خيال كاتبها ، وهي الموجودة في ساحة الأدب المعدوم للمجتمع ''غير النّظامي'' ، وهذا الفصيل من ''المجتمعات غير النّظامية'' ، بكل تأكيد ليس المجتمع الصيني ، إنما هو مجتمع الاهتزازات التي يستحيل فيه الإبداع الجمالي ، من منحنى أنه إبداع لا يقول ما في خباياه فحسب وينصرف إلى ممارسة ذلك التكرار الممل ، بل هو ''إبداع تصاعدي'' ليست مهمته التّجنّي على ذاته وجلدها والاستئناس بمازوشيتها · في ''مجتمع الاهتزازات'' ، يتصادم الطّب النّفسي مع مفهوم الأدب ، فيلعب الأول دور الثاني ، فلا يجد القارئ خلاصه في التحليق العلمي بقدر ما يجد نفسه مضطربة بين عوالم ما توفّره الرواية من راحة ذهنية ونشاط خيالي ، لذلك يصبح الاستنتاج عصيّا على تحديدا مفهوم وظيفة الأدب ''في هذا المجتمع ن وهو عكس'' المجتمع النّظامي''الذي تتحرّك في مكوّناته هذه الرواية أو هذا الشعر ، كما يقول ''تشونغ'' الذي وظّف عبر 120 فصلا في روايته رمزيات الذكاء والفطنة والنفاق والخداع والخلاص والأمانة ، ليس من أجل ''الحكي'' فقط ، إنّما من أجل الحفاظ على تراتبية هذه الرمزيات في ''المجتمع النّظامي'' وهو مجتمع صيني بامتياز ، يعرف فيه الروائي والشاعر وظيفته الإنسانية أولا والحضارية ثانيا ، من حيث أنّه ''بنّاء '' محافظ على أدوات صنعته ومتطلع إلى نحتها باسترار · هذه ''جمالية الجمال'' ، بينما ''جمالية القبح ''على النّقيض ، فهي استعراضية مهترئة ، كونها نتاج ( أو) علّة المجتمع الإهتزازي ، تضيق فيه الرؤيا كلّما تمادت في تأمّلها المتحطّم كشيء له صوت ، فمن الغلو أن نستمتع بأدب هو حبيس ذلك الجمود الذي تفرزه ''التصدّعات النفسية'' ، فيما صاحب الأدب تخلو نزهة خياله من حكمة الحياة وتوازنها الطبيعي في الجمال ، فيما هذا الجمال هو عقل الحقائق التي لا يكتفي بها الشعر أو الرواية والفن عموما ، كونها ليست بضاعة إنسانية ، بقدر ما هي استكشاف يفضي إلى عوامل استدامة الهدوء والراحة ، في كل عمليات حركية هذا '' المجتمع النّظامي'' التّواق إلى الكمال الجوهري والبياض الفكري الذي تنتشي به كل الأعمال الروائية والشعرية الخالدة في المخيال المتحرك للإنسان وهو يتدرّج في صياغة حضارته المتوازنة بخطاه العضوية ، لا بخطى غيره ، وهي عناصر يأتي بها الفن وليس العكس ·