تم أمس الاحتفال بالذكرى ال 50 للعلاقات الجزائرية الصينية، وقد بعث رئيس الجمهورية رسالة إلى المسؤولين الصينيين يهنئهم بهذه المناسبة العزيزة على الشعبين الجزائري والصيني. تلك الحضارة العريقة المعتمدة إلى 5000 سنة التي كلما تحدثنا عنها إلا وبدر إلى ذهننا سور الصين العظيم، وتماثيل الجنود والخيول الصلصالية الحارسة لمقبرة الإمبراطور »تشن شي هوانغ« والقصر الإمبراطوري، وغيرها من الآثار التاريخية الرائعة، وهذا دليل على عظمة هذه الأمة التي تعتبر أكثر دول العالم سكانا ويمثل عدد سكانها خمس سكان المعمورة تقريبا وفيه ست وخمسون قومية. والشعب الجزائري لن ينسى أن الحكومة الصينية كانت من بين أول الحكومات التي اعترفت بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وبعد انتصارها وجد الصينيون لدى الجزائريين تقديرا واعترافا مستمرا بالمساعدات المادية والمعنوية والسياسية ويقول أحد الزعماء الصينيين »بالرغم من بعد المسافة بين قطرينا إلا أن قلوبنا قريبة جدا من بعضها«. ويشكل الاعتراف الجزائري بالدعم الصيني خلفية ومرجعية لتدعيم علاقة الصداقة والتعاون بين الجزائر والصين ذلك ما أكده رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة (16 ماي 1999) إلى الرئيس الصيني السيد »جيان زيمين« في رسالة رد على تهنئة هذا الأخير للرئيس الجزائري بمناسبة انتخابه رئيسا للجزائر. »لقد شيد بلدكم العظيم وبلدنا علاقات تاريخية خلال حرب التحرير. وأعتقد أن الجزائر فيما يخصها قد كانت دائما في مستوى متطلبات التضامن مع الشعب الصيني امتنانا للدعم المادي الذي قدمتموه لنا ولاعترافكم الرائع بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أود أن أؤكد لكم هنا على استعدادنا لتوسيع هذه العلاقات في جميع مجالات التعاون بين الجزائر والصين«، والمعروف كذلك أن هناك تنسيق بين البلدين على أعلى مستوى باستمرار في المحافل الدولية والمجالات الدبلوماسية. وعن علاقاتها الخارجية فهي تنتهج بثبات سياسة خارجية حكيمة، وتهدف إلى حماية الاستقلال الصيني، وسيادتها وسلامة أراضيها، وبذل كل الجهود لخلق بيئة دولية ممتازة طويلة الأمد للإصلاح والانفتاح وبناء التحديثات في الصين وصيانة السلم العالمي ودفع التنمية المشتركة ونظرا للعلاقات التاريخية والحديثة ومكانة الجزائر لدى المسؤولين الصينيين فقد وجهت دعوة خاصة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لحضور افتتاحيات أولمبياد .2008 ومن المعروف أن الصين كانت أول دولة في العالم تقوم بالاختراعات في ميدان التكنولوجيات الحديثة. العلوم والتكنولوجيا البوصلة الصينية، مطبعة الرموز، صناعة الورق، أسلحة البارود. أما حديثا فقد حققت الصين إنجازات عظيمة ومذهلة في ميدان العلوم والتكنولوجيا ومن بينها حصريا، التجارب الناجحة لإطلاق الأقمار الصناعية وأجهزة الحاسوب العملاقة التي صنعتها بنفسها، كذلك نجح علماؤها في تجاربهم الصينية على الأغنام، وإنسان آلي يستقبل الضيوف من اختراع علماء صينيين، ويشرف على هذه الابتكارات الصينية ما يقارب 10 آلاف باحث ومخترع وفني حاصلين على الدكتوراه. وجل الطلاب العائدين من الخارج كل واحد منهم يجد مكانه في بلاده وهم أعمدة هيئات البحث العلمي بما يمتلكونه من خبرة طويلة في مجال تخصصاتهم، وقد أعطتهم السوق الصينية الكبرى أكبر فرصة للظهور في مسرح الابتكارات والاختراعات. الثقافة الصينية يحتوي منبع الثقافة الصينية على الفلسفة والأديان والأخلاق والفنون الأدبية والعلوم والتكنولوجيا والبيئة، متضمنا حكمة الأمة الصينية المتكونة من خلال وجودها وتطورها، انها لا تعد إرثا ثمينا للشعب الصيني فحسب بل ثروة مشتركة للبشرية جمعاء. وتتضمن الثقافة الصينية الكثير من الأفكار الفلسفية العميقة والبسيطة، وتلك الأفكار لها علاقة وثيقة بالإنسان نفسه وبالمجتمع الانساني، فإنها تهتم بأن تكون هذه الأفكار متماشية مع طبيعة الكون والأخلاق الإنسانية، وأن يكون »الوفاق« هو أساس الفلسفة الصينية عند تفسير الكون ومعالجة الأمور، لأن »الوفاق« يحمل وجهين، وجه اللين ووجه القوة، ويجمع بين قدرة تناوب جميع الأشياء وقدرة التسرب إلى كل ما في الوجود فهو يعني السلام والتسامح والتعاون والتعايش السلمي. الأدب الكلاسيكي يعتبر »كتاب الأغاني« الذي كتب في الصين في القرن الخامس قبل الميلاد، أول ديوان شعري في الصين بل ويعتبر أول ديوان شعري في العالم، وفي الفترة من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الثالث قبل الميلاد ولد أول شاعر في تاريخ الأدب الصيني وهو الشاعر تشيوي يوان، ومن أهم أعماله، »ليساو« الذي يعد المنبع لإبداع الرومانسية الصينية، وأحد الأعمال الكلاسيكية الخالدة في تاريخ الأدب الصيني وتاريخ الأدب العالمي. وفي فترة من القرن السابع حتى القرن التاسع، وصلت إبداعات الشعر الكلاسيكي الصيني إلى قمته الشامخة في عهد أسرة تانغ حيث بزغ شاعر الرومانسية العظيم لي باي الذي لقب بإلاه الشعر، ثم بزغ الشاعر دوفو صاحب أهم الإبداعات في مجال الشعر الواقعي، وقد أطلق عليه اسم »الشاعر المقدس« وسميت إبداعاته ب »التاريخ المدون بالشعر« ولقد بلغت الروايات الكلاسيكية الصينية في عهد أسرة سينغ وأسرة تشينغ مستوى عال من الإبداع ومن أشهر الأعمال الروائية رواية »قصص المالك الثلاث« للأديب لواقوان تشونغ ورواية »أبطال على شاطىء البحيرة« من تأليف شينايان ورواية »رحلة إلى الغرب« من تأليف ووتشنفان، ثم ظهرت أهم إبداعات الفن الروائي الصيني وهي رواية »حلم المقصورة الحمراء« للكاتب تساو شيوي تسين وتتميز هذه الراوية بالشخوص المتعددة والتناقضات المعقدة والتركيب المحكم، حيث سميت بالموسوعة التي تصف المجتمع الإقطاعي الصيني وتعتبر قمة الإبداع الروائي الكلاسيكي الصيني وقد ترجمت هذه الروايات الكلاسيكية الصينية المشهورة جميعا إلى اللغات الأجنبية المختلفة. الرياضة : إن حصول الصين على حق تنظيم أولمبياد 2008 بإعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ليس بمثابة فرصة ذهبية للشعب الصيني فقط بل هي فرصة كبيرة لكل الشعوب لمعرفة قيمة هذه الدولة العريقة. لن يسعني هذا المقال البسيط للتعريف بهذا البلد العظيم وما يزخر به من ثروات في جميع المجالات، وإنني لأناشد وسائل الاعلام أن تفتح ولو نافذة صغيرة على هذا البلد الذي ساعد ولا يزال يساعد الكثير من البلدان الإفريقية، هذا العملاق الذي إذا انتهجنا نهجه وحدونا حدوه صرنا من العمالقة. ------------------------------------------------------------------------