صحفي الشروق في احد المحلات بالصين رغم أن المطاعم العربية والصينية الإسلامية أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر بكثير من السابق ولكنها مازالت لا تلبي احتياجات المسلمين المسافرين إلى الصين، لأنها متمركزة في المدن الكبرى والمدن التي يسافر إليها الكثير من المسلمين وتندر في المدن الصغرى والمدن التي لا يسافر إليها المسلمون كثيرا. * الأكل من الأمور المهمه في البلد الذي ستسافر إليه وإذ استسمح القارئ الكريم عن تناولي لهذا الموضوع في عز شهر رمضان الكريم، وأثناء أداء فريضة الصيام إلا أنه لابد من التعرف عن عادات الشعوب الأخرى، أو لعله يكون احتياطا لكل من يرغب في زيارة هذا البلد الجميل أو إذا ساقه القدر إلى هناك. * الصين دولة ماسونية (لا دينية) ويمثل المسلمون 2٪ أو أقل من أجمالي تعداد السكان والنصارى أقل من 1٪ من تعداد السكان، وطعام الصينيين غير المسلمين (اللحوم بأنواعها ما عدا البحرية) محرم على المسلمين وطعامهم ليس حل لنا. * ويبقى التحدي الأكبر إلى كل من يتوجه إلى أقصى شرق الكرة الأرضية هو الأكل خاصة بالنسبة لنا كمسلمين، فالأمر لا يقتصر على التشهي اللذيذ فقط والحلال والحرام، بل يصل إلى حد الغرابة والقرف. * * السمك الشهي ولا أثر للخبز * * حينما شعرت بالجوع في الأيام الأولى من تواجدي بالعاصمة الصينية لم أجد حلا سوى وجبة السمك من ماكدونالز (ماك فش) وهو منتشر في كل مكان تقريبا وربما لم يكن ذلك مناسبا، لكن ما باليد حيلة بعد أن وجدت نفسي أتضور جوعا. * كانت تلك مجرد أيام عسيرة تداركتها فيما بعد حينما علمت أن اللجنة المنظمة للأولمبياد قد أقامت مطعما إسلاميا على مستوى المركز الصحفي، به ما لذ وطاب وبثمن معقول جدا. الأمر الآخر هو أن الصينيين يستخدمون الخبز المصنوع من الأرز وهو لا يناسبنا كجزائريين إلا في حالات نادرة من مطاعم عربية تبيع الخبز بأسعار عالية ويصل سعر الخبزة الواحدة 10 اريمبي (100 دينار جزائري) وربما تكون جودة الخبز غير مناسبة. * * * عادات غريبة... كل شيء قابل للأكل * * للصينين عادات غريبة في الأكل، فهم يتعاملون مع الوجبات كالفرائض عندنا، يجلسون على طاولة الطعام الساعات الطوال ورغم صغر أحجامهم، إلا أنهم يأكلون كثيراً وقاعدتهم في ذلك نأكل كل ما يمشي على الأرض ماعدا الدبَّابة وكل ما يطير في الجو ما عدا الطائرة وكل ما يسبح بالماء ماعدا الغواصة وكل شيء يقدم مطبوخا. * وفي بكين مثلا، مطاعم مختصة بطبخ الكلاب وأخرى للقطط وغيرها من الحيوانات... وحتما لن أتفاجأ في الوهلة الأولى بشأن ما يتناوله الصينيون قبل أن أصدم بواقع غريب جدا... فوجبات الطعام في الصين تتراوح بين العقارب وأجزاء الكلاب المختلفة أشهرها وجبة مخ الكلاب... بالإضافة إلى الحصان وكافة أنواع الحشرات. * * * أكل الكلاب ممنوع إلى حين * * من حسن حظي وحظ الضيوف الأجانب على بكين، أن السلطات الصينية أصدرت قرارا يحظر تقديم صحون بلحم الكلاب في المطاعم الأولمبية الرسمية لتجنب المس بمشاعر الزوار الأجانب. * كما وجهت إرشادات إلى عمال المطاعم، تطلب منهم أن يتحلوا »بالصبر« وأن يقترحوا أطباقا مختلفة لكل من يطلب طبق لحم الكلاب. * ورغم أن المطعم الذي يخالف هذه التعليمات سيدرج ضمن لائحة سوداء، إلا أنه خلال زيارتنا لأحد الأسواق التجارية شاهدنا ما يقطع الشهية للأبد وما ينفر النفس البشرية لكل مسلم. * وشرعت بعض المطاعم الشعبية في بيع هذه اللحوم خلسة أو تحت مسميات أخرى، فإذا غابت وجبة الكلاب فإن القطط متوفرة بكثرة والصينيون يقبلون على أكلها بشراهة غير عادية. * * * وانغ فو جينغ... مطاعم العقارب والصراصير * * في شارع وانغ فو جينغ، أحد أشهر الشوارع ببكين، تتواجد أيضا بعض المطاعم الصينية القديمة المشهورة مثل مطعم بكين للبط المشوي ومطعم وو فانغ تجاي للحلويات ومطعم تشوان سو تجاي للأطعمة النباتية الخالصة ومطعم دونغ لاي شون الإسلامي وغيرها من المطاعم التي لم أدون اسمها لأنه من غير الممكن جدا حفظ تلك الأسماء حتى ولو قمت بتدوينها في مذكرتك. * بيد أن ما أثار انتباهي طيلة فترة إقامتي في الأسبوع الأول بمحاذاة هذا الشارع الشهير، أحد المطاعم الشعبية المتخصصة في تقديم شواء العقارب والصراصير وكذلك صلصة الضفادع. * دخل أحد أصدقائي صدفة لهذا السوق الشعبي وأبلغني فيما إذا كنت أرغب في زيارة ذلك، ورغم أني شديد القرف إلا أني حاولت أن أبسط سيطرتي على هوى النفس وقررت التحدي فكان الوضع مروعا لا يسر العدو قبل الصديق بل لا أتمنى أن يكون أحدا منكم مكاني، رائحة كريهة ومقززة لم تمنع الصينيين من التوافد عليه والأكل بشراهة، حينها شعرت بحالة غثيان قبل أن أتدارك الأمر وأعود أدراجي من حيث أتيت. * الطريف في الأمر، أنه طيلة فترة إقامتي بفندق تايوان الذي لا يبعد عن تلك »مطاعم الشواء« سوى بأمتار كنت أتحاشى النظر إليه ولو بنصف عين، بل حتى أن مطعم ماكدونالدز المحاذي والذي كنت أتناول به »ماك فيش« (وجبة السمك) أصبحت انفر منه والرائحة الكريهة لا تفارقني. * * * كرم الصينين... مائدة من القطط والكلب الفواح * * بعد أن قضيت أسبوعا في فندق تايوان قررت تغيير مقر إقامتي رفقة زميلين لي، فتحولنا إلى إحدى الشقق بأرقى الأحياء ببكين، وربما تم توجيهنا عمدا من طرف الوكالة العقارية التي لعبت دور الوسيط إلى حي عسكري وآمن. * ربما كان الغرض من ذلك مزدوج، فالأول هو ضمان حماية كافية لنا كأجانب، والأمر الثاني وهو المؤكد هو بقاؤنا تحت الرقابة، طالما أن الصين تخشى كثيرا من الإعلاميين الذي شنوا عليها حملة كبيرة قبل الألعاب وحاولوا إفسادها قبل انطلاقها. * طيلة فترة إقامتنا في الفترة مابين 10 و26 أوت الماضي كنا نحظى بالتحية وبالمعاملة الطيبة من طرف المواطنين الصينيين، بل كنا مميزين عن بقية السكان ولو أن ملامحي لا تختلف كثيرا على سكان شرق آسيا. * كنا دائما نحاول تحاشي الحديث إلى سكان المنطقة، نظرا لعامل اللغة أو كإجراءات احترازية، بيد أن زميلا لي يدعى »شفيق« لم يكن كذلك، بل كان مندفعا يحب الاحتكاك والتعرف أكثر على خصوصيات الصينيين. * وفي إحدى المرات وفي ساعة متأخرة من الليل، صادفنا عائلة مشكلة من الأب والأم وابنها، ففي الصين لا يسمح بإنجاب أكثر من ابن واحد، وبعد حديث ودي بوساطة من ابنه الذي يتقن اللغة الانجليزية، تم دعوتنا إلى مائدة الطعام. * بالنسبة لي كان في حكم المستحيل أن أرد بالإيجاب مثلما كان من اللباقة أن لا أرفض ذلك، فسألت الابن هل صحيح أنكم تأكلون الكلاب والقطط فأجاب »نعم« إنه طبق شهي... قبل أن ينصحه والداه بالكف عن الحديث في هذا الموضوع. * ربما كانت هذه النقطة كفك حلقة من العقد، وهو الكلام الذي انتهت إليه دردشتنا وذهب كل إلى وجهته، فكنا نقيم في الطابق ال15 وهم في الطابق ال23 من العمارة المقابلة، فحتى وإن كانت تلك عادات متوارثة مزعجة، إلا أن الصينيين مشهورون بكرمهم الذي يذكر بكرم حاتم الطائي. * * * ثعابين الصين مهددة بالانقراض * * * يقول أهل الصين إن شهيتهم في أكل الثعابين بدأت تهدد بعض أنواعها بالانقراض، فإذا كان البعض منا يخشى رؤية ثعبان يقترب منه أو حتى على شاشات التلفاز، فإن الأمر مختلف تماما بالنسبة للصينيين. * فإذا كانت الثعابين من نوع الأفاعي السامة والكوبرا معرضة لتهديد كبير بسبب زيادة الطلب على السم الذي تنتجه لاستخدامه كأمصال لأغراض علاجية في الطب الصيني. * وحسب التقاليد الصينية الشائعة فإن جلد الأفعى وأجزاء أخرى منها تعود بالنفع على الصحة وتقوي القدرات الجنسية. * ويقدم أكثر من 10 الآلاف طن من الأفاعي سنويا في المطاعم الصينية وموائد الطعام في البيوت ضمن أصناف طعام مقلية أو في الحساء. * وفي جنوب الصين يعتبر النبيذ المحلى بدم أو مرارة الثعبان من المشروبات التي تحظى بشعبية كبيرة. * فلا غرابة إذا وجدت عددا من المراكز التجارية الكبرى وفي القسم المخصص للحوم الصراصير والعقارب والأفاعي بكل أنواعها وهذا أمر ألفته ولم أعد أعتبره أمرا غريبا. * * وجبة مخ القرد... بين الحقيقة والخيال * * حينما قصّ لي أحد الصحافيين الفرنسيين، التقيته في الأولمبياد، قصة وجبة مخ القرد، كنت أظن بأنه يمازحني أو يحاول أن ينفرني من مائدة الفطور بمطعم المركز الإعلامي، لكن ومع إصراره حاولت أن انتبه لكلامه. وحسب هذا الصحافي فإنه قد قام بريبورتاج حول الأكل المقدم في بكين، وهناك وجبة اسمها »مخ القرد«. * ويقول محدثي »هذه الوجبة هي إحضار قرد وإخراج رأسه في وسط الطاولة وجسده في أسفل الطاولة وهو حي، ومن ثم تهشيم جمجمتة، وإخراج شريحة المخ بسرعة لالتهامها وهي دافئة والدم يسيل منها! * ويقول »يعتقد الصينيون أن أكل مخ القرد بتلك الطريقة ستزيدهم تقربا من الرب ويزيدهم حكمة!«. * لكن لم يتم التأكد فيما إذا كان ذلك مجرد رواية شعبية تتردد هنا أو هناك أم واقع شاهده بأم عينيه. * * العيدان... ومشكلة الشوكة والسكين * * الطعام في الصين عادات وتقاليد، فهل جربت يوما أن تأكل الأرز بالعصا؟ أنا جربت وفشلت عدة مرات ثم نجحت في ذلك... ولقد حاولت وصمدت طيلة الأسابيع الثلاثة التي قضيتها هناك، بل كانت البداية في رحلتي من العاصمة القطرية الدوحة إلى بكين، حينما تسلمت طعاما مرفقا بعيدان بدل الملاعق والسكين والشوكة. قبل عقدين أو ثلاثة عقود، كان الحديث عن طريقة أكل الصينية، حدثاً فريداً، لا يمكن لأي كان الحديث عنه، ما لم يكن قد زار الصين. * اليوم الوضع أصبح مختلفاً بشكل كبير، فرغم أن الناس لا يفهمون اللغة الصينية ولا يشاهدون الفضائية الصينية إلا أنهم، في غالبيتهم، أصبحوا يعرفون أو سمعوا بالطريقة التي يأكل بها الصينيون طعامهم. * ويقول عدد ممن تحدثنا إليهم إن استعمال هذه العيدان بدأ في الصين القديمة في عصور قبل الميلاد، يعتبر الصينيون بأن العيدان هي امتداد للأصابع. إذ أن الأكل باليدين من دون استخدام هذه العيدان يعتبر عملاً بربرياً ومشيناً جداً. * في حين أنهم يعتبرون الأكل بالشوكة والسكين عملاً وحشياً، فهذه الأدوات تعتبر من أدوات الحرب والعدوان. * * * ثقافة العيدان وتجنب الفأل السيّء * * * * ويحدد الصينيون طريقة الأكل بهذه العيدان، كما يحددون آداب التعاطي معها على المائدة. فهم يحذرون على سبيل المثال من ضرورة عدم استخدامها على الشكل التالي، ألا يتم تحريك هذه العيدان في الهواء حتى لا تجلب الفأل السيء لمستعملها، حين يريد أي شخص على المائدة التحدث مع الآخرين عليه أن يضع هذه العيدان جانبا ومن ثم يبدأ بالحديث، إشارة إلى التوقف عن الأكل والبدء بأمر مهم، أو لا يمكن أن تنقل الطعام بالعيدان من صحنك إلى صحن آخر. * أما بعض الآداب المرتبطة بها، خاصة في المطاعم، فهي لا تنفصل عن ما سبقها من تحذيرات. فيعتبر من الممنوعات كسر العيدان بعد الانتهاء من الأكل حتى لو كانت ذاهبة بعد ذلك إلى النفايات. لأن ذلك يرمز إلى الموت لا إلى الحياة. وفي المطاعم الصينية التقليدية لا يمكن للنادل جلب الفاتورة إلا بعد رؤيته العصي موضوعة على الطاولة بطريقة متساوية بين أطرافها، ما يعني الانتهاء من الأكل، كما أن الأطباق عادة ما تقدم قبل العيدان في طريقة ربما تكون ذكية لمعاينة الأكل قد البدء به. * * الكوكا والبيبسي يهدادن الشاي * * كان ومايزال الشاي هو المشروب الأول في الصين، ولكن هذا قد لا يستمر طويلا فبعد أن أصبحت الكوكا كولا والبيبسي كولا تحتلان المرتبة الأولى في قائمة مبيعات المشروبات الباردة، تتقدم القهوة، التي لم يكن يميز الصيني رائحتها قبل أعوام، تتقدم بخطوات سريعة في ظاهرة أعتقد أنها ستكون حقيقة صادمة لمن لم يزر الصين حديثا. * والشاي أنواع ويختلف من منطقة الى أخرى، ومن خلال تجولي في شوارع بكين لم ألمح شارعا يخلو من محلات بيع الشاي، بل وهناك مراكز تجارية كبيرة متخصصة في ذاك، وربما هو منظر مريح يخفف عليه من مناظر الكلاب المسلوخة والقطط المشوية والعقارب والضفادع الممزوجة بالصلصة وتبعث فيك الأمل مجددا على الأقل في التغلب عن الجوع.