مع كثرة الأخطاء الطبية، لم يعد المجال لتسميتها ب ''الأخطاء''، لأنها أصبحت قاعدة والخطأ في حالة تكرره يصبح هو الصح، ويزداد ''شرعية'' في حالة الفراغ القانوني الذي لا يجرّم المخطئ ولا يحمي الضحية· فقبل سنوات دخل أحد المواطنين المستشفى أعور يريد إجراء عملية جراحية على عينه اليسرى التي لا يرى بها شيئا، فخرج منه أعمى لا يرى شيئا، لأن الطبيب الذي أجرى له العملية أخطأ وأجرى العملية على العين اليمنى التي كانت سليمة من أي مرض· وقبل تلك الحادثة وبعدها، وقعت الكثير من الكوارث الطبية، مثل ذلك الجراح الذي نسي المقص في بطن المريض والآخر الذي نسي شاشا كان يمكن أن تلف بها بطن المريض بعد العملية الجراحية، وآخر قد يكون نسي طاقم أسنانه الاصطناعي· وربما آخر قد ينسى هاتفه النقال هناك، أو ينسى حتى مفاتيح سيارته، ولا ينتبه إلا عندما يهم بمغادرة المستشفى ولا يجد ما يدير به المحرك· تلك الحوادث وغيرها تبدو أقرب إلى النكتة منها إلى الواقع، لكنها واقعية بالفعل، وتصنف ضمن خانة الأخطاء الطبية التي تكاثرت في المستشفيات العامة وحتى في العيادات الخاصة التي يفترض أن تكون فيها الرعاية الطبية خاصة جدا، لأن المريض فيها يضطر إلى دفع ماله وحتى مال أهله من أجل أن يتجاوز محنته مع المرض، لكن تلك النوعية من الجراحين، تعمق المأساة دون أن يحاسب الكثير منهم على أفعالهم، وهو تشجيع ضمني على العبث بأجساد المواطنين وخاصة الفقراء منهم الذي لا يستطيعون التنقل إلى الخارج من أجل تلقي رعاية طبية جراحية أفضل· ولم تعد تلك المجازر التي تتفنن في العبث بأجساد المواطنين استثناء، بل تحوّلت إلى قاعدة، لأن الوزارات المعنية بمثل هذه الكوارث لم تتجاوز لحد الآن حالة الفراغ القانوني الذي يشجع الجراحين على التعامل مع أجساد الناس، كما يتعاملون مع المخلوقات التي تجري عليها التجارب العلمية، ويا ليتهم أجروا تجارب علمية تجاوزوا بها المستوى الكارثي الذي أصبح عليه قطاع الصحة· وحتى نتجاوز هذا الفراغ القانوني، وإذا كنت مقبلا على عملية جراحية، فاحذر أن ينسى الجراح في بطنك ''قضيان البيت'' من بصل وثوم وبطاطا، وشر البلية ما يضحك·