في البدء أقول الكلمة التالية، وأريدها عتبة ومدخلا لما سوف يأتي من الكلمات والعبارات والتصورات والاقتراحات، إنني أكتب الآن هذه الكتابة، وأنا لا أعرف كيف ستكون غدا هذه الكتابة، وكل ما أعرفه اللحظة، هو أنني أؤسس اليوم لها هذا الموعد الصحفي، على صفحات جريدة ( الجزائر نيوز)، وأنني أحاول أن أصنع لها معناها ومبناها، فكرة وراء فكرة، وصورة بعد صورة، وأن أوجد لها عالمها وطقسها ومناخها، وذلك داخل مسار فلسفي واضح، وداخل نسق معرفي مترابط، وفي إطار ورشة فكرية وإبداعية كبرى مفتوحة على السؤال المشاغب والمشاكس، وعلى المسائل الفكرية والسياسية والاجتماعية الحقيقية، ورشة معنوية ورمزية وافتراضية تسمى الورشة الاحتفالية، وبنفس هذه المناسبة، فإنني سأحاول أن أجعلها موعدا أسبوعيا قارا وثابتا، وأن تكون بذلك لقاء يوميا أو أسبوعيا متجددا، وذلك بتجدد الأيام والليلي، وتجدد الشهور والأعوام، وأن تكون حوارا ملونا بكل ألوان الأحلام الكائنة والممكنة، وأن تكون تفكيرا مشتركا ومقتسما بين الكاتب بالقوة والكاتب بالفعل، وأن يكون غنيا غنى الحالات والمقامات التي نعيشها ونحياها الآن جميعا، ويهمني أن يكون هذا الركن نافذة على الوجود والموجودات، وأن يكون إطلالة على الحياة والأحياء، وأن تكون للكلمات في هذه الكتابة محركها الداخلي، وأن تستمد حياتها وحيويتها من ذاتها ومن موضوعها، وأن تكون لها رؤيتها وموقفها، وأن تكون لها حريتها واستقلالها، وأن تستمد ضوءها وظلالها من نارها المقدسة، والتي هي نفس النار الثقافية التي سرقها برمثيوس من آلهة اليونان، وأن تستعير عنفها وعنفوانها من شمس واحدة، والتي هي شمس الحق والحقيقة المتوهجة دائما وأبدا، من هذه الشمس فقط، وليس من أي شيء آخر غيرها، يمكن أن تتأسس دنيا هذه الكتابة الحديدة· أنا كاتب من سلالة برمثيوس، هكذا أعرف نفسي، أي من ذلك المخاطر الذي سرق النار من الآلهة، والذي مع وهج هذه النار الحية سرق روح المعرفة، والذي أدرك جوهر الفهم والعلم والحكمة، والذي أنسن هذه النار، وأنزلها من السماء إلى الأرض، ولكن، وفي مقابل هذه السرقة النبيلة والمقدسة، هناك اليوم من يكتفي بسرقة الخواء، وهناك من يقنع بتسول الهباء، وذلك من أجساد أو من نفوس، أو من أرواح أو من أشباح لا تملك لها نفعا ولا ضرا، إنها تطلب شيئا ميتا يسمى الدخان، ويسمى الرماد، الشيء الذي يجعلها تكتفي بفعل الاقتباس المحتشم، ويجعلها تقنع بممارسة الاختلاس المقنع، وذلك تحت مسميات خادعة ومضللة كثيرة ومتنوعة· حقا، أنا في هذه الكتابة أتحدث عن نفسي، لأنني أكثر الناس معرفة بذلك الكاتب الذي يسمى عبد الكريم برشيد، والذي يعبر في الأحلام أكثر مما يقم في الواقع، ولكن، ومن خلال ذلك الكاتب الحالم، أتحدث عن فعل الكتابة وعن صناعتها، وعن أعطابها أمرضها، ومن خلال ذلك المواطن الكوني المفرد، أتحدث عن هذا الكون كله، ومن خلال عوالمه الصغيرة والمحدودة، سأتحدث عن هذا العالم الواسع واللامحدود، وأفعل هذا، اقتناعا مني بأنه لا وجود لعالم منفصل عن الذوات التي تعيش فيه، والتي يعيش فيها في نفس الوقت· إن هذا العالم البراني الظاهر، هو جزء من عالمنا الجواني الخفي، فهناك نفوس كريمة ونبيلة تزيده جمالا ونظاما، وهناك نفوس أخرى عدوانية وبئيسة تزيده قبحا وبشاعة وفوضى، وبهذا إذن، تتعدد العوالم في هذا العالم الواحد، وتتنوع الأكوان في هذا الكون الأوحد، وتختلف الأوطان داخل هذا الوطن ( الموحد) إنها تتعد وتتنوع في النفوس وفي الأذهان وفي الأرواح البشرية، فتكون رحبة في النفوس الرحبة، وتضيق في النفوس الضيقة، ولذلك اخترت أن أرحل في النفس الإنسانية التي ليس لها ضفاف، وأن أسافر في المخيال الإنساني الغني، وأن أعيد التفكير في إبداعات العقل الإنساني· حقا، هذا العالم البراني مثير ومركب، وهو معقد ومدهش أيضا، ولكن عوالمنا الداخلية أكثر إثارة منه، وهي أكثر تعقيدا وأكثر إدهاشا وأكثر غرابة أيضا، ورحلتي في هذه العوالم لن تكون إلا مخاطرة، وفي كل مخاطرة شيء قليل من حظوظ النجاة، وفيها أشياء أخرى كثيرة من احتمال الهلاك، ومهما يكن، فإن هذا الطريق هو طريقي الذي اخترته أو اختارني، وهذه الخطوات هي خطواتي فيه، ومن كتبت عليه خطوات، عاشها ومشاها، طوعا أو كرها · ومن خلال الحديث عن هذه النفس، سواء في بعدها الفردي أو الجماعي، فإنني سأتحدث عن الاحتفالية، وذلك باعتبار أنها فلسفتي في الحياة، وباعتبارها منهجي في الوجود، وباعتبارها طريقي الذي رسمته وحفرته وسرت فيه بمحض اختياري، وباعتبارها العنوان الذي يدل على سكني في مدينة الفكر والإبداع، وباعتبارها ظل أفكاري الواردة والشاردة والمتمردة والمتجدة، والتي عشتها وعاشتني بمحبة وعشق، والتي نظمتها في منظومة فكرية وجمالية وأخلاقية تسمى الاحتفالية، وفي هذه المنظومة يمكن أن نجد اليوم صوت الحكواتيين الجدد، والذين يمكن أن نجد من بينهم هذا المسافر دائما وأبدا، والذي ليس له من زاد في رحلته الوجودية إلا الخيال والمحال، وربما، لأجل هذا أعطيت هذا الركن، أو هذه السلسلة الكتاب، اسم ( مسافر زاده المحال) فما رأيكم؟ وفي آخر هذا التقديم الأولي والأساسي، أقول ما يلي، إن الأصل في هذه الكتابة، هو أنها أساسا استجابة لدعوة كريمة، دعوة تلقيتها وأنا بالجزائر من الصديق احميدة عياشي، ويسعدني ويشرفني أن أكون أحد أفراد أسرة هذه الجريدة الغراء، وأن أقتسم مع العاملين فيها، ومع قرائها أيضا، شرف التفكير بصوت مرتفع، وأن أشركهم معي في شرف البوح الصادق والمنطلق، وأن نكون كلنا، عبر كل الحلقات التي سوف تأتي، رفاق الحرف الصادق، وأن نكون رفاق الكلمة الهادفة، ونكون رفاق الحق والحقيقة وهل هناك ما هو أجمل وأنبل من رفقة الكلمة الصادقة والهادفة؟