أعتقد أن هذا السؤال هو سؤال الحياة ذاتها، وهو في الحقيقة يشكل الدافع الحقيقي للكتابة. نكتب لأن شرخا في علاقتنا بالوجود قد حدث.. هذا الشرخ ربما يكون انكساراً داخليا، أو حباً مستحيلاً، أو يوتوبيا بعيدة التحقق. في الكتابة هروب بقدْر ما هي مواجهة، وفي محاولتنا للإجابة عن أسئلة الحياة، واللغة وعن تورطنا فيهما، نكون قد حققنا نوعاً من التوازن الأدنى الذي نحتاجه لكي نستمر في هذه الحياة سؤال كان دوما لغزا أرّق نظّار المعرفة الإنسانية ؟؟...إذ تقوم حضارات، وتندثر أخرى ولا يبقى منها سوى نقوش كتابات عبرها نقرأ جبين الماضي... إنه سؤال الميلاد..ميلاد إنسان جديد من تزاوج الكلمات والأفكار، وميلاد دراسات واسعة لعلوم النفس، والاجتماع حين تبحث عن الإجابة على هذا السؤال. قد نكتب لأننا بالكتابة نقوم بواجب الإنسانية فينا، فنحن نحاول أن نحاكي إرثا في لاوعينا تشكّل عبْر العصور على أن حظوة الإنسان عند الله خالقه سبحانه وتعالى تتمثل فيما يحاوره به عبْر الحرف والكلمة، أو قل في الحديث والنجوى، كما أن آية الصدق لكل نبوة أن يأتي الرسول بكتاب سماويّ يكون دستوره الشامل لمن يدعوهم، وربما للإنسانية كلها ... ومع الكتابة يأتي وجه العملة الآخر: الفكر، فبالفكر نُلبّي حركة العقل المتطلع نحو الاكتشاف، ومتى تجرد إنسان من كلمة يكتبها، أو فكر يعالجه، فإنه في ميزان الإنسانية في خسرانٍ.. قد نكتب لأنها معركتنا الرابحة في التغلب على عجزنا الإنساني، وظروف واقعنا القاسية، نرسم بالكتابة عالما نشكله وحدنا لا مكان فيه لمطرقة، أو سندان، نطبق فيه أبجديات خلافتنا التائهة في تعمير الأرض وزغزغة الكون، وقد نكتب لأننا في نشوة لأن نستعرض قوة أنفسنا،وذكائها في جمْع شتات المعاني المتناثرة بين سماء الروح، وأرض العقل. وقد نكتب محاكاة للذة ذاتية بأن نعمّر في الحياة أكثر من عمرنا المحدود وقدرنا الراهن، فإن شئنا بالكتابة نتوّج أنفسنا ملوكا، وإنْ شئنا بالكتابة نكون عبيدا نناجي ربّنا جلّ وعلا عبر التجلّيات، أو نحن فرسانا نطوي الكون بين حد سيفه وقوس رمحه.. ذلك كله بعصا الكتابة. وقد نكتب بحثا عن وجودنا، وخلودنا الذي تعثّر في طاحونة الإنسانية المختلطة، فالكتابة هي بصمة الوجود لكاتبها، فهناك دوما قلْب الكاتب، وروحه يتراقصان على صفحات بياض متعاشق، تقرؤهما الأجيال وتردد: ذاك هو الإنسان المحدد. قد نكتب بحثا عن روافد اتصال جديدة مع مجتمعنا الذي غمرنا بممنوعاته، ونستمتع بالتحرر منها، ونغذيه بإضافات جديدة تحرك مياهه الراكدة. قد نكتب لأن النفس أقل من أن تتحمل هموم الدنيا ونكدها، وبدل أن نلتف حول ذاتنا في صراع ضيق، نجعل كلماتنا تحمل عنّا عبْء الدوران في ساقية الألم.. أو لعلنا نريد أن يسمع الكون لحظات السعادة التي ننتشي بها ، فبين الفرح، والترح خيطٌ رفيعٌ تقتات عليه الكلمات، وتحاوره الحروف. ما الذي يدفع المرء للكتابة؟ يحمل قلمه، يغامر بأفكاره، يضعها على الورق، يتركها ليقرأها الجميع، لتصبح ملكاً لهم، ثم يتحمل هو وزر ما كتب!! ما الذي يدفع المرء للكتابة ثم لمعاودة الكتابة، وهو يعلم تماماً أن الكتابة فعل مجرّم في عالمنا العربي، قد يقوده للنقد، أو للسجن، أو للمشنقة؟ أهي لعنة تصيبنا؟ أم هي غواية القلم؟ أم هي لذة الكتابة وصناعة الأفكار؟ أم هي كل هذه الأشياء مجتمعة؟ لا أحد يعلم، ولا أحد يستطيع أن يمنحنا سبباً قاطعاً ومحدداً عن دوافع الكتابة والرغبة الجامحة التي تدفعنا لهذا الفعل. لمن نكتب.. بل من الذي يقرأ؟ لئن كانت الإجابة عن السؤال: '' لماذا نكتب؟ '' يسيرة؛ فإن الإجابة عن السؤال: ''لمنْ نكتب؟'' عسيرة بطبيعة الحال.. لأنها مرتبطة أساسًا بتوالد مجموعة من الأسئلة: إذا كتبنا، وولجنا عالم الكتابة العصي، أهناك من يتفاعل معنا؟ منْ سيقرأ لنا؟ وإذا قرأ هل سيتفاعل ويفهم؟ ما نوعية القرّاء؟ ما هي أطيافهم؟ ما تأثير ما نكتبه عليهم في عالم طغت فيه الصورة على الكلمة المكتوبة؟ سؤال لمن نكتب؟ يأتي دومًا في الصدارة.. خاصة مع هذا التنوع الهائل في مصادر الثقافة التي أتاحتها وطغت عليها القنوات الفضائية، وأخيرا الشبكة العنكبوتية وغيرها من وسائل الاتصال.. جميعها وفرت لكل الطلبات والحاجات غذاءها ومشربها! أسئلة بالطبع باتت تُطرق بقوة في أذهان الكتّاب، وتدق نواقيس الخطر في وجوههم، بعد أن أدار الناس ظهورهم للقراءة، وعادوْا القراءة الجادة الواعية، وصار الكتاب من آخر الاهتمامات، وحتّى وإنْ افترضنا أنّ هناك قرّاء في مجتمعنا الجزائري بالتأكيد سنجد أمامنا جمهورا عريضا يقرأ الصحيفة اليومية، ويتحاشى الصحيفة الأسبوعية ويعادي الكتاب، وحتى الصحف اليومية نجد صحافة التهويل والفضائح والإثارة بورصتها مرتفعة.. أمّ منْ لا علاقة لهم بالحرف المكتوب فقد استسلموا للاسترخاء أمام شاشة التلفاز، ومراقبة العالم عن طريق الصورة مخدّرين، ومن دون أيّ تكاليف تضاف إلى سلسلة من المتطلبات اليومية المرهقة. يصعب في هذا الحيّز الضيّق الإجابة عن هذا السؤال بدقّة لِما يتطلّبه من دراسة ميدانية، وبحْث دقيق في كل الفضاءات التي تكون مسرحًا لعملية القراءة بدءا من الأسرة . الكتابة عصيّة ..غير مطواعة!! الكتابة ليست بالأمر السهل، بل هي نشاط فكري مُضْنٍ يتطلّب الكثير من الجهد، والتوتر العصبي والأرق والبحث الدؤوب المتواصل من أجل العثور على الفكرة، وتنظيم العبارة، وتكوين النصّ كيفما كان جنسه، وصبِّ ذلك في قالب أخّاذ يستهوي المتلقّي، ويمتعه، ويبعث في نفسه الراحة والأمل. ولا يتصوّرنّ أحدٌ أن الكتابة مطواعةٌ تنصاع في كل لحظة، وبالإمكان الإمساك بها كلما رغبنا،وتنقاد لأيّ مخربش بيسْرٍ. وأرى شخصياً أن الكاتب المميز لا بد أن يجمع بين التعددية الإيجابية حسب قدراته، لذا فإن الكتابة حقاً هي عبْءٌ عظيم ، بل مسؤولية أمام الخالق، وخلقه قبل أن تكون وسيلة متعة أو شهرة، ولاسيما في واقعنا المعاصر الذي يضج بالأحداث المتتابعة والمتغيرات المتتالية، فبعد أن كان الناس منذ زمن قريب يستمرون في الحديث حول أمرٍ مهم مدة شهر من الزمان ثم قلّتْ هذه المدة إلى أسبوع فيما بعد ثم يوم ثم ساعات فقط، إلى حدّ أن يغفو الإنسان مجرد إغفاءة فيجد الأحداث منقلبة رأساً على عقب وسط الاكتشافات المذهلة التي لا يمكن للعقل البشري أن يتابعها ويستوعبها، فنحن حقاً في عصر السرعة في كل شيء، إلى حدّ أن قالت إحدى الكاتبات الألمعيات: « لن يتعب الكاتب المعاصر في إيجاد الموضوع ولكن المهم طريقة معالجته إياه وقدرته على إقناع القراء وجذبهم لمادته.» وقد قال الجاحظ قديما: « ...المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدويّ والقرويّ و.....» لكن مَنْ يلتقطها ويقدمها لنا ثمرة ناضجة يانعة؟؟ كمال قاضي لماذا نكتب : أسئلة الكتابة دائما ما تكون أصعب الأسئلة ، لأنها تجعل الكاتب يحجم عن الكتابة وينظر إلى ما تحت الإبداع ، بالطبع إنها أسئلة تجعلنا نفكر في إجابة مرضية وفي إجابة شعرية تزيل اللثام على شرعية الكتابة وفائدتها ، إذن هذه الأسئلة نطرحها لأننا نخشى على أنفسنا من أن تختلط علينا الأهداف والطرق التي يجب أن نسلكها ، نكتب لأننا نكتب من يقول مثل هذا الكلام ربما يعتبر غير جدي وكلامه ليس مجديا أيضا ، أحد الكتاب الكبار عندما سئل مثل هذا السؤال ، قال : أنا أكتب لأنني أحب الكتابة ، أصعب الأجوبة أجوبة الكتابة ، لذلك فهي تكون بسيطة في الغالب وأحيانا معقدة جدا لأنها تبحث عن أهم الأسئلة وأوضحها.. لماذا نكتب ؟ إنني أكتب لأسعد الآخرين ، يرضيني هذا جدا ويرضي أيضا مستمعينا المكرمين ، الجواب يجد نفسه متنصلا عن ذاتية الكاتب إلى الآخر الذي يحب مثل هذه الأجوبة المقنعة أو المقنعة بالحب .. ثم من الممكن أن نبحث عن الكثير من الأجوبة التي تكون سليمة من العيوب الخلقية : أكتب ليفكر الآخر .. أكتب لأن الكتابة فعل لا إرادي غير شرطي ، وانتهازي لأنه ينزع من اللحظة حياتها .. أما أنني أكتب لأزيل عن اللغة جوهرها الذي أصبح فاسدا ..ماهذا الغبش ؟ وما كل هذه الكلمات الغير ضالة ، إنني أهوى الفوضى ..الفوضى التي تلعب باللغة وتجعلها أقرب إلى لغة مهرولة تسبق نفسها وتكسر حواجزها بنفسها أيضا ..التحطيم من الداخل والبحث عن لغة بديلة لغة مشاكسة تكسر حروفها لتكتب بلغة لم تلمس عذريتها بعد ..لهذا أنا أكتب .. لمن نكتب: القيادة للإبداع ولا يمكن أن نجعل غيره يسوس المعاني أو يجلب الحروف من تخومها ، بهذا أن نحدد قارئا ما ، هي جريمة محتملة أيضا ، وهي واقعية الكلاسكيين الذين يرهبهم أن يكونوا بمفردهم في جنة الكلمات ، البحث عن قارئ مفترض هو أيضا مرفوض بالنسبة لي على الأقل في جبهة الإبداع الأولى أي عند ارتفاع القلم إلى سماوات أفكاره ..لا يمكن أن نتحدث هنا عن قارئ لا مفترض ولا منقرض أيضا ، إننا نبحث عن ذواتنا في علويتها وفي إعتلائها صهوة البراق . خيرة بغاديد/شاعرة و قاصة لماذا نكتب؟ سؤال لا يفسّره جواب. إذا كنت فعلا أكتب، فإنني أكتب لأفسّر خيباتي ، وأبرّر خطاياي، بخطيئة أكبر (الكتابة)، أقول خطيئة لأنّها تدنّس وجه الممكن، وتعبث بالحقيقة الخانقة (الواقع) وترفضها. أكتب لأهرب من هذا الواقع المرّ إلى واقع أمرّ، يبقى مجرد وهم يغريني كما يغري غيري من المبدعين، حين نزعم أنّنا نحسّ أكثر من الآخرين بشيء من الشعريّة أو الشاعريّة، ولكن في الحقيقة أحاسيسنا مجرد لحظات تنفلث من عمرنا البائس لتسجّل في أجندة لا تقرأ. لمن نكتب؟ أكتب لوهم لا تستبين ملامحه، شيء من الخراب يتراكم داخل أناي، أحاول أن أعطيه معنى الظهور، أشكّله حسب هواي، وبحجم أحلامي، أفرح حين يتشكّل هذا الوهم نصا، يتمايل فوق ورقة بيضاء، أحرق بياضها صمتها لأفرح أكثر. أكتب لأتحرّر من قيود حياة لا تتّسع لأحلامي، أهجر إلى ذاتي وأعتكف مع أشيائي (ورقة وحبر يتقطّر كدمي)، نشوة عارمة تدفعني لأكتب لهذا الساكن داخلي الذي لا أعرفه سوى أنّه بعضي، أو ما تبقّى من الحلم كما أزعم . تبقى الكتابة سرّا جميلا لا يفسّر ذاته، تماهي الذات مع الكينونة ومع الآخر (الحرف الذي يتشكّل لغة تنفتح للبوح. الكاتب زكريا نوار لماذا أكتب؟ و لمن أكتب؟... سؤال بدأ بفكرة الإجابة عنه مقتضبة و لكن ما من بد من التشعب لأنه حديث ذو شجون، أنا أكتب..: لأني أرغب في أن أكتب. بل أحب أن أكتب. وهذا بكل بساطة. لأني أستمتع بالكتابة كونها عمل فني رائع. الكتابة تنفيس عن المكبوتات: عن الأحاسيس و المشاعر و المحبوب و المبغوض و الغضب و الفرح .. فلهذا أجد نفسي أكثر سواءً لحظة التنفيس، و أكثر راحةً بعدها. تعودنا في مجتمعنا ألا نسمع بعضنا، و ليس عندنا المبادئ البسيطة للحوار، فالكتابة سبيلي الأمثل لأُسمع صوتي بالحروف، و أطرح أرائي بكل ما تحمله من جنوني و جنوحي و اعتدالي و تطرفي.. لأنَّ مساحة الورق اللامتناهية تسع الجميع بل و تسع الأضداد. للحرف قدسية و للقدسية مجد، و ما أحلى المجد إن كنتُ فيه و صانعه. الكتابة حياة بعد الحياة، فتُبقي صاحبها حيا إلى ما يعلم الله، فلا زلنا نقرأ عن شخصيات من عمق التاريخ. باب من أبواب الشهرة، و أي شهرة أفضل من شهرة القلم. لمن أكتب؟ أكتب لنفسي قد يكون الأمر غريبا و لكنه تحقيقا لذاتي. أكتب لجمهور القراء الواعي الذي يمحص و ينتقد و يصوب ويدع النطيحة والمتردية ويأخذ بالسليم. وفي ذات الوقت لا أكتب لأحد حتى لا أتورط في حلقة مفرغة بين إرضاء الآخر وتحقيق رغبتي.