عاش القسنطينيون، مساء أول أمس، قبل خروجهم إلى الشارع ليلا للتعبير عن فرحتهم عقب الملحمة التاريخية لزملاء يبدة بملعب كاب تاون أمام نظيرهم الإنجليزي أحد أطول أيام حياتهم في ظل ما فعلته الهزيمة غير المستحقة أمام سلوفينيا عندما أثرت في نفسيتهم وأحبطت من عزيمتهم وزعزعت معنوياتهم التي حلقت عاليا من جديد عقب إعلان الحكم الأوزبكي صافرة النهاية التي كانت بداية لإطلاق العنان للأفراح والليالي الملاح في مدينة حرصت نسوتها في البيوت، رجالها في الشوارع، عمالها في مختلف المواقع، طلبتها في مختلف الأحياء الجامعية وحتى مرضاها في المستشفيات، على صنع فرحة عارمة استمرت حتى ساعات متأخرة من الليل··· ''الجزائر نيوز''، وكما دأبت عليه، كانت حاضرة ورافقت مناصري ''الخضر'' قبل أثناء وبعد اللقاء، وأول محطة وقفت عندها كانت التحضيرات الحثيثة التي باشرها شباب الأحياء عقب صلاة الجمعة التي دعوا فيها مطولا لزملاء عنتر يحيى بالانتصار عندما وضعوا الشاشات العملاقة ومكبرات الصوت لمشاهدة اللقاء جماعات، كما قاموا بتزيين الساحات الكبرى بالرايات الوطنية وأخرجوا حتى الكبيرة منها وغطوا بها واجهات العمارات، وكأن الجميع على علم بأن أشبال سعدان سيستعيدون ما أهدوه لسلوفينيا في اللقاء الأول. هذه العمليات استمرت إلى غاية السابعة مساء، التوقيت الذي ركن فيه الجميع للهدوء والسكينة بعد حركية دؤوبة استمرت طيلة الفترة المسائية التي ميزها كذلك خروج شباب المدينة في مواكب سيارات جابوا خلالها مختلف الأحياء مرددين شعارات ''الله أكبر مازال مازال'' امتزجت بأبواق السيارات وعشرات الأغاني الممجدة للمنتخب الوطني، وحتى أصوات أبواق الفوفوزيلا حضرت هي الأخرى بقوة· أنصار ''الخضر'' تابعوا اللقاء على الأعصاب وهدوء حذر مع كل هجمة للإنجليز ما إن أعلن الحكم الأوزبكي عن بداية اللقاء حتى خلت المدينة من الحركة وكأن الأمر يتعلق بمنطقة مهجورة خلت من السكان لا يسمع المتجول فيها إلا صيحات تتعالى في كل مرة من هنا وهناك، وحينها لا أحد كان يبالي أو يهتم بما هو حاصل خارج إطار الشاشات الصغيرة والعملاقة التي كان رفقاء بودبوز يمررون عبرها رسائل مفرحة لعشاقهم في الجزائر، وهم الذين نجحوا في ترويض الأسود الإنجليزية واستطاعوا أن يعيدوا الأمل للجزائريين الذين أحزنهم كثيرا التعثر أمام سلوفينيا· ولأن الثقة في أشبال سعدان، الذي رجع إلى عقله، كانت كبيرة، كل من تحدثت إليهم ''الجزائر نيوز'' أكدوا مع انتهاء المرحلة الأولى أن نتيجة اللقاء تقبل احتمالين لا ثالث لهما، إما أن نفرض التعادل على الإنجليز أو نهزمهم. أما أن يمروا إلى الدور الثاني عبرنا، فهذا ما لن يكون لأننا الأفضل وحتى سيناريو مباراة إنجلترا أمام مصر لن يتكرر لأننا ببساطة ''محاربو الصحراء''، وليس ''الفراعنة''. هذا، ولم تكن المرحلة الفاصلة بين الشوطين كافية لأنصار ''الخضر'' للتعبير عما يختلج صدورهم من خوف امتزج بالفرحة والترقب واختار الجميع الكتمان وإرجاء كل شيء إلى الدقيقة التسعين التي انفجر معها الشارع القسنطيني وهتف الجميع بصوت واحد تعالى في كل أقطار الولاية ''الله أكبر·· مازال مازال·· رانا جايين المريكان''. وقبل ذلك وطيلة المرحلة الثانية من اللقاء، كان الجميع على الأعصاب، وإذا كان هناك من دخن أزيد من علبة سجائر طيلة مرحلة اللقاء وهناك من شرب أزيد من 10 كؤوس قهوة في اليوم، وهناك من تعهد ببيع كل ما عنده من سلع داخل المحل بتخفيضات مغرية، أحد التجار تعهد بأنه وفي حال التأهل والفوز على الأمريكان سيذبح 10 خرفان ويقيم عرسا كرويا كبيرا لم تشهده المدينة من قبل· ··· ويالها من فرحة والأمل يعود من جديد صحيح أننا تعادلنا مع إنجلترا، أبرز المرشحين للفوز بالكأس العالمية، وصحيح أن دفاعنا وخلفه الحارس مبوحلي استطاعوا الحفاظ على عذرية شباكهم، وصحيح أن سعدان نجح في خطته التكتيكية، لكن لا أحد صدق أن الفريق الذي لعب أمام سلوفينيا هو نفسه الذي استطاع أن يقهر إنجلترا. وبقدر ما توقع الجميع أن يظهر رفقاء مطمور بوجه مشرف، لكن ليس بالدرجة العالية التي أظهروها طيلة تسعين دقيقة من الصراع ضد فريق تتجاوز قيمة لاعبيه ال 500 مليون أورو، في حين لا تتعدى قيمة لاعبينا في السوق الدولية مجتمعين ال 60 مليون أورو، وهي المفارقات التي جعلت القسنطينيين في حيرة لدقائق قبل أن تعود أرواحهم إلى أماكنها بعد أن غادرتهم لأزيد من ساعة ونصف من الزمن المدة التي كانت كافية لدخول أشبال ''الخضر'' تاريخ كرة القدم من بابه الواسع. ولأن الحدث كبير، الجميع هب للفرحة والابتهاج بعد تعادل بطعم نصر أعاد الأمل من جديد لأزيد من 40 مليون جزائري وجزائرية، تعالت هتافاتهم وزغاريدهم عاليا في احتفالات لا يمكن وصفها إلا بالكبيرة، والتي لا يستطيع فعلها إلا شعب كبير لا يستسلم، ودائما يعقد العزم على أن لا أفول لبلد صنع التاريخ سالفا ويصنعه شبابه حاليا. علي وهو شيخ في العقد السابع من عمره قال: ''في حياتي وقفت على ثلاث أفراح كروية لن أنساها ما حييت، أولها بعد فوزنا على ألمانيا وثانيها عندما تأهلنا في أم درمان وثالثها أمام إنجلترا لأني مت وحييت، فقد أغمي عليّ لأزيد من نصف ساعة من شدة القلق قبل أن أستفيق بعد أن أعلن الحكم على نهاية اللقاء، وحينها فرحت كثيرا لشيئين، لأن بلدي انتصر ولأني لم أفارق الحياة، وإن شاء الله سأشاهد رفقاء الجدار بوقرة وهم يتأهلون إلى الدور الثاني في العرس الكروي العالمي، لأن الفريق الذي يقهر الإنجليز لابد أن يتأهل إلى المرحلة المقبلة''.