منذ عملها الروائي الأول ''العطش'' سنة 1956 استطاعت هذه الشابةالجزائرية أن تضع اسمها مع كبار كتاب اللغة الفرنسية، ولهذه الرواية حكاية، كانت في العشرين من عمرها، واسمها فاطمة الزهراء إيمالاين قادمة من الجزائر، وهي من بربر جل شنوة، كانت تدرس ب ''إيكول نورمال'' بباريس، وهو امتياز لم تحظ به فتاة جزائرية قبلها· كانت تعيش قصة حب مع شاب جزائري شاعر ومثقف هو عبد المالك علولة شقيق الشهيد عبد القادر علولة، الذي تزوجته فيما بعد، فحدث أن رفعت حدٍ مجنون مع حبيبها في أن تكتب رواية خلال شهرين، وفعلا كتبت الرواية وكانت هناك مشكلة في أن تنشرها باسمها الحقيقي لأن ذلك سيغضب والدها وسيؤدي إلى فصلها من المدرسة التي كانت تمنع على طلابها نشر كتب أدبية إلى ما بعد التخرج، والحكاية تقول أنها كانت في سيارة طاكسي مع مالك في اتجاه دار النشر، فطلبت منه أن يسرد عليها أسماء الله الحسنى، فاختارت اسم ''الجبار'' وألحقت به اسم آسيا، لكن الأمر سرعان ما اكتشف بدار المعلمين، فقررت الإدارة فصلها عن الدراسة· ولرفع هذا الإشكال تدخل المفكر موريس كلافيل الذي كان يدرس هناك، وراسل الرئيس شارل ديغول بهذا الأمر، فأعيد إدماجها· عاشت آسيا جبار الثورة التحريرية كمناضلة وكاتبة وصحافية، وقد أعدت مجموعة من الروبورتاجات والتحقيقات الصحفية عن المبعدين الجزائريين لحساب جريدة ''المجاهد'' وهذا بطلب من فرانتز فانون، وشاركت مع الطلبة في إضراب 19 ماي ,1956 كان اهتمامها الدراسي منصبا حول التاريخ، خاصة تاريخ المنطقة المغاربية، إضافة إلى الكتابة الأدبية، فبعد سنتين من رواية ''العطش'' أصدرت ''الذين نفذ صبرهم''، ومع فجر استقلال الجزائر سنة 1962 أصدرت ''أطفال العالم الجديد''، وقد كانت المرأة في وضعها الريفي الخاضع لبطريركية الرجل هي تيمتها المركزية، التي نسجت عليها كل عالمها الروائي، ونذكر هنا أعمالا من مثل ''نساء في شقتهن بالجزائر العاصمة'' و''الحب والفنتازيا'' و''بعيدا عن المدينة''، وهو العمل الذي كتبته عن نساء الرسول محمد (ص) والذي أثار الكثير من الجدل في الأوساط الإسلاموية، في سبعينيات القرن العشرين· صمتت آسيا جبار عن القول الروائي مدة عشر سنوات ولكنها لم تصمت عن البحث والتساؤل، فاتجهت إلى السينما والمسرح وعملت مخرجة سينمائية ومساعدة مخرج وقدمت عملها السينمائي الأول ''نوبة نساء جبل شنوة'' سنة ,1979 والذي لاقى استحسان النقاد ثم بعده سنة 1982 فيلم ''زردة: أغاني ضد نيسان'' وهي الأفلام التي كان هاجسها المركزي كما في أعمالها الروائية وضع المرأة في المجتمعات المتخلفة التي انحدرت هي منها·· لقد كان لآسيا جبار مسارا حياتيا شبيها بحياة الكتاب الكبار، فمن شرشال إلى العالمية كافحت وناضلت وتعلمت حتى وصلت إلى أن ترجمت أعمالها إلى عشرين لغة وتوجت بجوائز وتكريمات عدة أهمها الجائزة الأمريكية ''نيوستاد'' سنة 1996 وجائزة ''السلام'' الألمانية بفرانكفورت سنة .2000 وتروي عنها الكتابة زهور ونيسي، التي حضرت هذا التتويج، أن آسيا لما أتمت كلمتها بالمناسبة تقدمت منها وأهدتها شالا جزائريا مطرزا بروسومات بربرية، فأجهشت آسيا بالبكاء أمام الحضور، وهو دليل ارتباطها الوجداني والروحي بأرض آبائها وأجدادها رغم تغرّبها، وقد انتخبت آسيا جبار سنة 1999 كعضو في الأكاديمية الملكية للغة والآداب الفرنسية ببلجيكا كاعتراف بما قدمته للغة الفرنسية· وإن كانت آسيا جبار تقول ''اللغة الفرنسية هي بيتي'' فذلك راجع إلى أنها لم تدرس بغير هذه اللغة، وقد كان والدها المتفتح هو معلمها الأول في المدرسة الابتدائية، وهذه اللغة لم تكن إلا غنيمة حرب، وقد تلقت اللوم في أنها لا تعرف الحديث باللغة العربية الفصحى، إلا أنها كانت تتكلم العامية الجزائرية لغتها الأم التي تحبها· كل سنة يرد اسم آسيا جبار ضمن المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب، وفي سنة 2005 انتخبت عضوا في الأكاديمية الفرنسية لتكون أول عربية تحظى بهذا الشرف في أكبر هيئة ثقافية فرنسية· ورغم ذلك فإن آسيا جبار تقر دائما بجزائريتها وبأنها مسلمة· إن مثل هذه الأشياء لصيقة بالوجدان ولا يمكن التنصل منها، والكاتب الحقيقي هو الأكثر وفاء لأشياء الوجدان·