خرّ المدرب الإيطالي، فابيو كابيلو، ساقطا مثل الثور وكثرت سكاكينه، وشاهدته أمس وهو خارجا من مقر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم مطأطئ الرأس ويحمل حقيبة الخيبة على ظهره ثم رمى نفسه داخل سيارته ''الميني'' الجميلة واختفى عن الأنظار، وربما ذهب إلى روما، أو إلى الجنوب الفرنسي حيث يحب قضاء عطلته· والصحافة الإنجليزية قالت إن كابيلو ذهب إلى مقر الاتحاد الإنجليزي حتى يقدم دفتر حسابه وكانت فاتورته ثقيلة، وقد طلب هذا المدرب ''الكبير'' أن يبقيه الإنجليز عامين آخرين حتى يرد لهم الاعتبار في كأس أوربا للأمم، لكن أغلب الظن سيرفضون طلبه، فهم غاضبون منه وساخطون عليه، وقد أبلغوه أن النتائج التي حققها في المونديال جلبت العار للإنجليز، وهي أصغر بكثير من أحد عشر مليون أورو يتحصل عليها كل سنة. ومحنة كابيلو تعتبر درسا، من جهة أخرى، فجلب مدرب أجنبي لا يعني الفوز بالضرورة، وقد جربنا في الجزائر سلسلة من المدربين الأجانب، ليسوا في حجم كابيلو ولا يساوون حتى ربعه، وكانوا يتوجهون للمطار بعد كل تدريب بسبب إقامتهم في فرنسا، وبعضهم كان يدرب فرقا محلية فرنسية من الدرجة الخامسة، أحدها لا يزيد عدد أنصاره عن سبعمائة شخص، وكانت الجزائر تدفع لهم بالعملة الصعبة، وهي في عز الأزمة وكأنها ثملة لا تعرف ماذا تفعل، لكن ولله الحمد، عندما عاد لها الوعي تخلت عنهم وجلبت مدربا محليا، يدرب بقلبه ويقيم في الجزائر، ولا يكلّف خزائن الدولة مالا عظيما ويبكي عندما يستمع للنشيد الوطني. وربما يكمن السبب في جلب المدرب الأجنبي في عقدة النقص، والشعور بالنقص مشكلة حقيقية، وقد حصل ذلك في دول أخرى، مثل نيجيريا والكاميرون، وقد فشل الفريقان، وكان الكاميرون أول الخارجين من البطولة، وفشلت إنجلترا شرّ هزيمة، وهذا يعني أن المدرب الأجنبي ليس دائما ورقة رابحة، والورقة الرابحة هي اختيار المدرب القدير، الكفؤ والمحنك الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، ويستحسن أن يكون محليا، فالفوز مع مدرب محلي له طعم خاص، فوز وطني، لهذا أجد نفسي من أنصار المدرب الوطني شريطة أن يكون شابا، وكان في السابق لاعبا ماهرا وأن يكون مدربا محنكا، ملماّ بقواعد التدريب، سواء عن طريق الدراسة ومقاعد التكوين أو عن طريق التجربة والخبرة، وقد رأينا كيف نجح دونغا ومارادونا، وهما من أبناء البلد، وسنهما متوسط، في حين فشل مدربون كبار في السن والخبرة، مثل كابيلو ودومينيك وليبي... وغيرهم. وليس هذا من باب الشوفينية أو لغة الخشب، فمن حق الدول أو الحكومات أو اتحادات الكرة أن تلجأ للمدرب الأجنبي، لكن فقط عندما لا تجد المدرب المحلي الكفؤ القادر على قيادة الفريق والصعود به إلى القمة وصناعة أمجاده، لكن في الجزائر يوجد مثل هذا المدرب، وأنا متأكد من ذلك، عليهم فقط أن يبحثوا عنه وسوف يجدونه. وقد صعق العالم من النتيجة التي حققها المنتخب الإنجليزي في المونديال، حيث خرج مكسورا بعدما كان أحد المرشحين للفوز بالكأس.