لا أزال شديد الاعتزاز بنفسي لكوني لا أزال موجودا، ولا يزال لوجودي معنى· إن أصابعي قادرة على رفع سيجارة أو غرس شجرة أو مصافحة صديق أحبه··· ولا أزال قادرا على استدراج أشعة الشمس والاختلاء بها في غرفة نومي· فإذا كانت أسباب الحزن كثيرة فإن فرحا واحدا يستطيع أن يعدّل النهايات ويجعلها في صالحي دائما، تضامي معي، لمجرد أننا نستحق ذلك· لا أزال شديد الاعتزاز بنفسي، شديد التمسك بها، وأدافع عن حقي في التواطؤ المعلن مع الحب والخير والجمال، في هذا البلد، دون انتظار الإذن من أحد وحجتي في ذلك أنني جزائري؛ إذا فأنا حر ومن حقي في أن ألوح للسماء بكلتا يدي، فأنا أقف على أرض دفع آبائي مهرها· ومن حقي أن أكتب في هذا العيد رسالة حب للغد الآتي، لأنني أعي جيدا، ما معنى أن يكون لي تاريخ أفتخر بذكره·· تاريخ يجعلني لا أتمنى أن أكون إلا نفسي، وأيضا لا أقبل أن يزاحمني غيري فيما أملك·· تاريخ يجعلني شديد الاعتزاز بنفسي لأنني وبكل انحياز ودون شوفينية معني به وملزم بحمل رايته والدفاع عن قيمه ومكتسباته· لكن على طريقتي الخاصة التي لا أدعو أحدا لاتبعاها، فهي جزء من خصوصياتي وأسراري العاطفية· أحب بلادي وأتفنن في حبي لها، وهذا لا يعني أنني أؤدي تحية العمل كل صباح فأنا بصراحة، لا أحب تحية العلم· أنا أكتفي بممارسة أشياء صغيرة، وكلي اعتقاد أنها جزء من واجباتي الأساسية· أحب بلادي وأعتني بحي لها كما يعتني اليابانيون بتصفيف مزهرياتهم وأهل الكوفة بوضع الكوفيات على رؤوسهم، ولا أمارس هذا بمنطق استعراضي بل أمارسه كما يمارس الماء عشقه للمجرى، وكما يمارس الهواء علاقته الطبيعية مع ضفائر النساء الجميلات· أحب بلادي وأعمل ما بوسعي لكي أكون جديرا بها، وسأخفي فائض الحزن الذي لديّ، لكي لا أجرح قلبها الرقيق، ولا أكتفي بذلك بل أستعير وردة من خصلة أول فاتنة تمر وأهديها لها هذا العيد·· وأدخر كل دموعي لأصنع منها باقة وأهديها لها العيد المقبل· شكرا لصانعي التاريخ ممن استشهدوا وممن هم على قيد الحياة·· شكرا للأمهات الجميلات ودرتهن ''جميلة بوحيردب·· شكرا لكل شجرة احتمى بها مجاهد·· شكرا لكل قطرة دم طهرت الأرض من دنس الغاصبين·· شكرا لمحرري بيان أول نوفمبر ومحرري العقول من وهم خيار الحل السلمي·· شكرا لهؤلاء الأبطال الذين لم يجدوا الوقت لكتابة مذكراتهم فكانوا أكثر نزاهة وأكثر سموا من التاريخ ذاته·· شكرا لكل غيور عن وطنه مدافعا عن كرامته مؤمن بأن الحرية تاج لا تراه إلا عيون الحالمين بها·· لا أزال شديد الاعتزاز بنفسي لأنني جزائري· ابتسم·· أنت أيضا جزائري·