في مجال يتأرجح بين الحياة والموت، تدور أحداث هذه المسرحية الألمانية التي تعالج قضية الدكتاتورية، بمقاربة فنية جديدة. في مسرحية ''الطفلة والموت'' من إنتاج وتمثيل وإخراج الفنانة الألمانية أولريك دوريكر Ulrike Düregger، تستعيد الطفلة بولينا ذكرياتها مع الدكتاتور الذي اغتصب طفولتها وجعلها أقرب إلى الجثة الهامدة، حيث تتمدد الفنانة في بداية العرض، حتى يخال المشاهد أن لا حياة فيها، لكنها تتحرك شيئا فشيئا وتعيد تشكيل حكايتها للناس، بقليل من اللغة وبكثير من الإيحاء الفني الجميل، الذي يجعل الرسالة تصل إلى المتلقي بدون عناء، رغم أن الأداء عموما جاء باللغة الألمانية، المطعّم بالقليل من الفرنسية. وتقف الطفلة بولينا وسط ديكور بسيط يتألف من كرسي وبعض الأثواب، ومائدة شاي وبعض الحبات من الطماطم، وتستعيد تفاصيل جلادها، بصوته ولون بشرته وحتى رائحته المميزة. لقد التقت جلادها وجها وجها بعد سنين من اغتصاب طفولتها، وهنا تكمن قمة المأساة عندما تختلط المشاعر في داخلها، ويتنازعها الخير مع الشر، وتصل إلى قمة الانفعال الذي جسدته دراميا الفنانة أولريك دوريكر Ulrike Düregger بكثير من النجاح. إنها الذكريات المبهمة التي بني عليها العرض المسرحي، وجعل زوج السيدة التي كانت طفلة يقول لها ''الذكريات الغامضة لا يمكنها أن تكون دليلا''، وهل تحتاج الطفولة الجريحة إلى دليل على اغتصابها، وهي تمتلك الدليل الملموس في ذاكرتها كالوشم الذي لا يزول مع الأيام، بل لا يزول حتى مع العمليات الجراحية التي تحدث مع الزمن. لقد تعرضت بولينا الطفلة-السيدة الجريحة إلى القمع من قبل جلاد دكتاتوري لا يرحم، وعلتها الأقدار مرة أخرى أمامه وجها لوجه، وبدت حائرة مرة مع استرجاع جراح ذاكرتها الدفينة، ومرة أخرى تسأل نفسها هل تنتقم أم تعفو عن الجلاد. وتختصر هذه المسرحية-المونولوغ، مآسي الحروب التي كانت ولا تزال تصنع مصير الإنسانية، وكم توجد من بولينا في مختلف بقاع العالم؟ ولا تملك بولينا في النهاية إلا الكلام بصعوبة، لعلها تُسمع صرختها للعالم. ويشار في الأخير إلى أن المسرحية التي أنتجتها وأخرجتها وأدتها الفنانة الألمانية أولريك دوريكر Ulrike Düregger هي للكاتب أرييل دوفمان Ariel Dorfmann.