تحدث جيلالي عمارنة، عضو فرقة ''راينا راي'' سابقا، حين زارته جريدة ''الجزائر نيوز'' في بيته بحي سوريكور المتواجد وسط مدينة سيدي بلعباس، عن مرضه وعن تدهور حالته الصحية من السيئ إلى الأسوأ، حيث استغل فرصة تواجدنا لمناشدة المسؤولين من أجل طلب التكفل بمصاريف علاجه· ورغم الألم إلا أنه لم يمنع نفسه من الدفاع عن أغنية الراي، التي يقول عنها إنها تعبير فني أصيل وليس غناء الملاهي الليلية· كيف هي أحوالك الصحية اليوم؟ ''راني عيان وراني مضمر وراني مريض''، والله وضعي الصحي يزداد سوءا يوما بعد يوم، فمنذ أن أجريت، مؤخرا، عملية جراحية على مستوى المعدة والكبد شعرت خلالها أن المرض الخبيث ينتقم منّي شر انتقام، كما شعرت أن هذا المرض ينتقم من فنان عشق أغنية الراي إلى حد السذاجة· في بعض الأحيان أجد نفسي أدخل في حوار مطول مع معاناتي وأطرح الكثير من الأسئلة بخصوص هذا المرض الفتاك لعلي أجد فيه بعض الأجوبة لأفكاري المشتتة· في غالب الأوقات لا أملك إلا أن أحمد الله على كل ما يأتي منه، وأتذكر أن المؤمن مصاب، وأن ذلك قضاء وقدر ولا يمكننا التملص منه، ومرات أخرى أتذكر أغنية ''خلوني نبكي على رايي ما درت والوا''، التي أحدثت شهرة كبيرة في سنوات التسعينيات، فحين أرددها من حين إلى آخر تخفف قليلا من حدّة الآلام التي تنخر كل يوم جسدي، والله لم أستطع تحمّل هذا المرض الذي تسبب في تحطيم كل شيء ينبض بداخلي، وكل من يعرف جيلالي عمارنة عليه أن يعلم أن السرطان يكاد يقضي عليّ، وحدها مواساة عائلتي والبعض ممن يتذكرون الجيلالي من الجمهور باتوا يؤنسون وحدتي في المرض والحاجة· وكيف يتدبر جيلالي تكاليف العلاج؟ (يبكي)··· أتأسف لوضعية الفنان بالجزائر، إنه مجرد من أدنى الحقوق، فكيف لفنان أمضى حياته في خدمة الفن ومثّل بلاده في أكثر من دولة عربية وأوربية يجد نفسه لا يملك أي شيء، بمجرد أن تصيبه وعكة صحية يجد نفسه وحيدا يتخبط في معاناته، وتطاله الحفرة والتهميش· ما يحزّ في نفسي أكثر كيف لا يوجد قانونا يحمي الفنان من غدر الأيام، حيث تنتهي صلاحيته بمجرد أن تنتهي أيام عطائه الفني· وفيما يخص مصاريف علاجي، فيتكلف بها بعض المحسنين الذين يعشقون غنائي سواء من مدينة سيدي بلعباس أو بعض المحسنين المقيمين بديار الغربة دون أن أنسى مجهود زوجتي فاطمة زهراء التي وجدت نفسها مضطرة للخروج للعمل، فقد أصبحت عاملة نظافة وتساعدني في مصاريف العلاج، وبالمناسبة لا أنسى أبدا جميلها مادمت على قيد الحياة، كما أنني وجدت فيها الزوجة الصالحة والصديق الوفيّ الذي تحتاج إليه وقت الضيق· وماذا عن أصدقائك بفرقة ''راينا راي''، هل مازلت على اتصال بهم؟ للأسف، لا، فبعد أن تفككت الفرقة أصبح كل واحد منهم لا يفكر إلا في نفسه، وأصبح ذلك النجاح التي حققته الفرقة في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات مجرد ذكرى محفورة في الأذهان، ما يحزنني أن لا أحد منهم يقوم بزيارتي لمواساتي أو التخفيف عني ''سمحوا فيّ وخلوني وحدي''، فلا الهاشمي ولا قادة زينة يكلفان نفسهما عناء السؤال عني· أما قصتي مع لطفي عطار، فهي قصة طويلة، لا يمكنني أن أنسى الإساءة التي وصلتني منه وأنا على فراش المرض، ما يجعلني -وأنا في هذه الحالة- غير قادر على غفران ما فعله بي، بعدما راح يروّج لإشاعات مفادها إصابتي بمرض الأيدز، هذا دون الحديث عن استغلاله لحقوقي المادية أكثر من مرة· هل تأثرت لهذه الدرجة من تلك الإشاعات؟ لا أستطيع التعبير عن حجم الأذى الذي لحق بعائلتي، فقد كادت تعصف بالعائلة كلها، لدرجة أنني اضطررت لإجراء مجموعة كاملة وشاملة من التحاليل للتأكيد على عدم إصابتي بمرض فقدان المناعة وإنما بالسرطان، عفاكم الله· وأنا على فراش المرض اضطررت للدفاع عن سمعة جيلالي عمارنة من أجل تاريخي الفني ومن أجل عائلتي، فأنا لست مجرد مغني هاوي أو خريج ''الكباريهات'' وإنما جيلالي عمارنة فنان بجميع المقاييس سواء في أخلاقه أو مبادئه، ودليل ذلك أدائي الكلمة النظيفة في معظم الأغاني التي نالت شهرة كبيرة وعرفني من خلالها جمهوري العريض· إذا عدنا بك إلى زمن فرقة ''راينا راي''، ماذا أضاف وجود جيلالي عمارنة إلى تلك الفرفة؟ التحاقي بالفرقة لم يكن مجرد صدفة، فبعد مشاركتي الناجحة سنة 1985 بمهرجان الشباب لأغنية الراي بالجزائر العاصمة، تعرّف أعضاء الفرقة أكثر على قدراتي الصوتية والفنية، وبمجرد عودتي إلى مدينة سيدي بلعباس التحقت بهم رسميا، حيث قاموا بمباركة طاقتي الفنية والموسيقية، إذ كنت أول فنان مزج أغنية الراي بإيقاعات موسيقى قرقابو، ومن ثمة أخذت شهرة فرقة ''راينا راي'' تسير في اتجاه جديد نحو الشهرة، وحينها سافرنا إلى باريس، المدينة التي تقدس الفن الفنانين، وفيها أصبحت شهرة الفرقة تتوسع أكثر فأكثر، والشيء الذي شجعنا على تقديم الأحسن والبروز الفني والقوي لأغنية الراي، هو التواجد الكبير لجاليتنا بالمهجر، وبالخصوص فرنسا، حيث خلقت الفرقة -بأدائها المميز- جسر تواصل فني وثقافي بين دول المغاربية وحتى الدول الأوربية· وما يميز أدائي لأغنية الراي أنها مستمدة من التراث بلمسات حديثة أضفتها على الأداء· هل وجدت فرقة ''راينا راي'' صدى بعد جولتها الفنية في معظم دول العالم؟ الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن أنساه هو النجاح الذي حققناه في كل من فرنسا، نيويورك، ألمانيا، إيطاليا سويسرا··· وغيرها من الدول الأخرى· ففي نيويورك حين أديت أغنية ''زبانا خويا مات'' كنت أريد توجيه رسالة إلى القادة والسياسيين هناك، بأننا نحن الجزائريين لسنا مجرمين ولا إرهابيين، كما ينعتنا البعض منهم، وإنما نحن ثوريون ومجاهدون، نعمل أي شيء للحفاظ على كرامة وطننا· كما حققت الفرقة أيضا نجاحا في دول المغرب العربي خاصة بالمملكة المغربية الشقيقة، الشيء الذي جعل بعض الفنانين يتأثرون بأدائي وطريقة غنائي· أغنية الراي في السنوات الماضية كانت تملك نكهة خاصة وأداء متميزا ببلعباس بتواجد كل من الفنان زرقي وكادير العباسي و ميمون والشيخة حبيبة والجنيّة، فما تعليقك على مهرجان أغنية الراي الذي يقام كل سنة ببلعباس؟ بما أن ''الفن والراي خارج من مدينة بلعباس''، كما هو متعارف عليه، علينا على الأقل احترام الفنانين الكبار الذين قاموا بتخليد هذا النوع من التراث في أغنية الراي، ومن واجبنا كفنانين احترام الخطى التي قاموا بتسطيرها من أجل الحفاظ على الفن· بالنسبة لمهرجان أغنية الراي ببلعباس، لا يمكنه أن يحقق نجاحا إلا بحضور فنانين مختصين في الشعر الملحون، على اعتبار أنهم اللسان الناطق لأغنية الراي، وبالتالي الفنان على الخشبة يؤدي رسالة سامية، عكس الفنان القادم من ''الكباريهات'' الذي لا يمكنه أن يمثل أغنية الراي، فنان من هذا القبيل يشوّه طابع الأغنية أكثر مما ينفعها· وبما أنني ابن مدينة فن الراي، أناشد المختصين بأخذ ذلك بعين الاعتبار، وأؤكد للجميع -مرة أخرى- أن الفن والراي مصدره الأول مدينة بلعباس وليس الكباريهات· ما هي الأغاني التي قمت بأدائها والقريبة من قلبك؟ أصعب شيء على الأب التفريق بين أبنائه، والحال كذلك بالنسبة للأغاني التي أديتها، فمثلا أغاني ''خلوني نبكي على رايي ما درت والوا'' و''بين البارح واليوم'' و''الموت كاينة والدنيا فانية''··· كلها مستمدة من الواقع الاجتماعي، وبالتالي الأغاني التي أؤديها هي تشريح للواقع المعيش، وبما أنني فنان من واجبي تسليط الأضواء على الظواهر، كما غنيت أيضا عن الحب والوالدين والغربة··· وكل ذلك يبقى مجرد ذكريات لفنان يعاني المرض والألم· إذا شفي جيلالي عمارنة من مرضه، ماذا سيفعل؟ إذا تحقق حلم شفائي من هذا المرض الخبيث، سأعود من الجديد إلى الخشبة وأؤدي طابع الراي بالكلمة النظيفة، كما عودت جمهوري على ذلك، كما سأؤدي الأناشيد الدينية لأنها تتماشى بطريقة جميلة مع نبرات حنجرتي· والأكثر من ذلك سأعوّض أبنائي الحرمان المادي الذي عاشوه أثناء مرضي، وتحقيق ذلك يكون بإجراء عملية أخرى بسيطة، خارج الوطن، على مستوى الكبد، غير أنها مكلفة جدا، وإما بالمستشفى العسكري بعين النعجة بالجزائر العاصمة، وعليه، أتوجه بندائي إلى فخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أو أي أحد من الرسميين أو وزارة الثقافة لتخفيف معاناتي ومساعدتي للعلاج قبل أن يأتي اليوم الذي يقال فيه رحل عن عالمنا من مثّل أغنية الراي عبر العالم أحسن تمثيل·