في الجزائر مليون امرأة بلا مأوى··؟ هذا السؤال طرحته علي صحافية في جريدة ''آفاق'' العربية، وللحقيقة أحرجت في إيجاد الرد عليها، ليس لأنها تملك الحقيقة المطلقة، ولكن بسبب عدم امتلاكي للحقيقة المطلقة·· ورغم أني فندت المقولة من منطلق غيرتي على الوطن وعلى المرأة الجزائرية، إلا أن غياب الإحصائيات الرسمية جعلني في موقف محرج، لأننا في كثير من الأحيان لا نجد الجواب المناسب الذي يمكننا الرد به على وسائل الإعلام الأجنبية سواء كان الرد إيجابيا أو سلبيا. وبحكم كوني إعلامية، كان من الصعب علي أن أجيب ببلاهة، وكل ما استطعت أن أقول:''إن الرقم الذي في حوزتكم غير صحيح''، فهل كنت مقنعة بهذه الإجابة··؟ طبعا لا، لأنني أنا نفسي لم أكن مقتنعة·· ولأن هناك بالفعل نساء كثيرات بدون مأوى، أو يسكنّ بيوتا غير لائقة، ونحن كمجتمع مدني، كثيرا ما نددنا بذلك، وطالبنا بالمساواة في توزيع المساكن في كل نشاطاتنا وطروحاتنا·· لأننا نعتقد أن المسكن هو حماية لكرامة المرأة، كما هو حفاظ على كيانها و·· و··؟. ولكوني كنت أعرف أن مشكلة السكن، هي مشكلة الشعب الجزائري ككل، نظرا لغياب سياسة ممنهجة للبناء والإسكان في الجزائر منذ سنوات طويلة، وعدم التكفل بالتأخير في هذا الشأن في سنوات الثمانينات والتسعينات، وما لحق هذا القطاع من الهجرة الريفية وكذا من بعض المدن أثناء العشرية السوداء·· وتحمل النساء إعالة الأسرة بدل الرجل سواء كن مطلقات أو ضحايا، إضافة لسياسة البزنسة والمضاربة والمحسوبية التي نخرت هذا القطاع لسنوات، وتأخر برامج البناء بعد تراكم المطالب وعدم قدرة البرامج المنجزة على استيعابها، كل تلك الأسباب والأوضاع أمعنت في حرمان المرأة من السكن باعتبارها ليست ذات أولوية في رأي المشرفين على تقسيم سكنات الدولة، رغم أن الأمر يقول بالعكس تماما·· فهي إنسان لها حقوق وذات مطالب··؟ قد أقول إنه حتى نهاية السبعينات كان عدد النساء اللائي يسكن لوحدهن معدود على الأصابع، لمقتضيات اجتماعية وثقافية واقتصادية، وقد أقول أيضا أن هناك نسبة كبيرة من النساء يسكن سكنا غير لائق، لأنهن كن غير مطالبات وإلى حد الساعة بإعداد سكن الزوجية، وهذا ربما من أحد الأسباب الكبرى العاملة على تفاقم عملية التمييز بين الجنسين، ولكن في كل الحالات لا أملك رقما حقيقيا يمكن اعتماده أو مناقشته. وهكذا، وعندما وجدت الصحفية أنني لم أوافقها الرأي، تقدمت بسؤال آخر، الذي وجدته أكثر خطورة من الأول: ''ثمة من يتهم الجمعيات النسائية الجزائرية بأنها استحلت أن تكون ديكورا لواقع يمشي عكس ما هو قائم·· كيف تردين على هذا؟والله لقد انتفضت بقوة، ليس دفاعا عن الجمعيات، ولكن غضبا من الأحكام المسبقة التي تساق على الجمعيات·· كيف للجمعيات أن تكون ذات مصداقية وهي تعمل ضمن مسار ديموقراطي غير ذي مصداقية، وتنشط ضمن مجتمع لا يؤمن أساسا بالعمل الجمعوي·· الذي أعتقده هو أن الجمعيات، هي انعكاس لمصداقية اجتماعية وسياسية عامة، لأنها تتعامل مع منظومة إدارية غير شفافة، ويحكمها قانون جمعيات سطر لمرحلة غير مرحلتنا··؟ ورغم قناعتي بكل ما أكتب الآن، إلا أني في ردودي عليها كنت متحايلة، ربما لأني أنا أيضا عفنت ومازلت ضمن مسيرة العهد القديم المعقد، الذي يبلع الحقائق عندما يكون أمام صحافة أجنبية، رغم أنني أستطيع جزائريا إلا أن أندد بهذه المنظومة المتخلفة وأنتقدها بعنف. وهذا ما يحيلني إلى القول، بأن المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمع العربي كبيرة جدا ومتشابهة، وأخطرها مشكلة التربية والتوجيه في الأسرة التي تتلقاها الفتاة منذ طفولتها، لتوجه مسارها نهائيا، وما التمييز الذي تتعرض له المرأة في المجتمع اليوم بحكم هذه التربية، إلا نتاج التربية التفضيلية التي توجه مسار العقلية المجتمعية منذ البداية، أي الأسرة، لتصبح عنده من المسلمات·· مسلمات تخضع المرأة نفسها، وهي الضحية، إلى تكريس ذلك التمييز عمليا لأطفالها دون أن تشعر، ومن هذه المسلمات عدم الانتماء إلى الجمعيات النسائية··؟ فمن التجربة اليومية، وجدنا أن النساء لا يتوجهن في غالبيتهن إلى الجمعيات إلا عندما تغلق في وجوههن كل الأبواب، ومن يؤمن بالنضال هن عاملات وربات بيوت لا يمكنهن وقتهن المكتظ من توفير فرص كافية للنضال، إلا من رحم ربك·· ومع ذلك فهناك نساء بعثن جمعيات ذات مصداقية تحمل برنامجا هادفا ومحترما ونشاطها فعلي وموجود رغم قلة إمكاناتها المالية وقلة الدعم الموفر إليها مقارنة مع الجمعيات في البلدان الديموقراطية الحقيقية التي نريد أن نشابهها· وعدم دعمها من الدولة لا يقلل من سمعتها، حتى لو قلل من قدرتها على التحرك والنشاط، رغم قناعتي بأن الريادة والتغيير في كل العالم إنما تتقدم به الأقلية الطلائعية المتنورة وليس العكس··؟