قضيت الأربعاء متعبا، مرهقا وطريح الفراش، ف ''الكرون'' دائما عندما أستهين به ينقض عليّ ويجردني من كل تلك الحماسة التي تدفعني إلى العمل والتوشّج بقوة واندفاع مع اليومي، اضطررت أن أعود من المكتب باكرا، دخلت البيت ورحت أصارع الغثيان طيلة المساء واستولى عليّ القلق بسبب ذلك الهبوط المفزع لضغط الدم، فتناولت الأدوية والمقويات ورحت أمنّي النفس بالانتصار على الإرهاق في اليوم التالي حتى أتمكن من السفر إلى مدينة وادي سوف التي أكدت لأصدقائي فيها مجيئي لمشاركتهم فعاليات الطبعة الثالثة للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية السوفية·· شعرت بشيء من الارتياح عندما استيقظت على الخامسة صباحا ووجدتني في أحسن حال من اليومين السابقين·· سألتني زوجتي إن كنت مصرا على الذهاب إلى الوادي، فأكدت لها ذلك إلى حد بعيد·· كنت في مطار هواري بومدين بعد وقت وهناك التقيت بمدير جريدة الأحداث أصيل ''المغيرة'' والتقيت أيضا بعدد من الفنانين الذين كانوا متوجهين إلى ذات المهرجان منهم الفنان القبائلي الكبير لونيس آيت منفلات·· بعد ساعة قضيتها على متن الطائرة وجدتني من جديد في وادي سوف بعد غياب دام حوالي 21 سنة، يومها جئتها كصحفي وممثل قدمت أثناءها مسرحية قدور البلاندي ولا زلت أتذكر ردود الأفعال الحادة التي أثارتها لدى ممثلي السلطات المحلية الذين حضروا العرض منهم محافظ الحزب الوحيد ومسؤول الأسرة الثورية، الذين أمروا بإيقاف العرض، وطُلب آنذاك من الفنان السوفي محمد محبوب أن يدخل الركح رفقة فرقته حتى يتوقف العرض، لكن هذا الفنان القدير رفض أن يستعمل في تلك المهزلة، غادر ممثلو السلطات المحلية القاعة ومارسوا مباشرة بعد ذلك ضغوطهم، لكن تضامن أهل الوادي مع العرض حال دون ذلك·· تلك الذكريات والأصداء وجدت الكثير من أهل الوادي يتذكرونها وكأنها حدثت بالأمس القريب··· كان افتتاح الطبعة الثالثة متميزا·· وما أثارني فيه ذلك العرض الجميل والرائع الممثل في أوبيرات اعتمدت التراث المحلي وقام بكتابة نصها وتلحينها الفنان فريد مخلوفي ووزع موسيقاها الأمين دية وأخرجها فتحي صحراوي، أوبيرات تكشف عن طاقات كبيرة في الغناء والتمثيل، ولكم تمنيت ألا تبقى هذه الأوبيرات حبيسة الوادي·· التقيت من جديد في الوادي مع كل الوجوه القديمة التي عرفتها في الجامعة في منتصف الثمانينيات منهم صديقي تامة تيجاني الناشط في الثقافة وصاحب الموقع الإعلامي المحلي الرائد ''قباب''، التقيت أيضا وتناقشت مع فنانين شتى منهم آيت منفلات، محبوب، عبد الله كريو وفاطمة حليلو وعبد الله مناعي رجل الزرنة·