بنفس السرعة التي انطلقت بها حركة التقويميين الجدد ضد الأمين العام عبد العزيز بلخادم وبطانته انكمشت على نفسها وتركت الميدان فسيحا أمام خصمها اللدود·· وقد بدت خسارتها بينة في أول امتحان لها خلال الدورة الأخيرة للجنة المركزية التي انعقدت خلال اليومين الفارطين·· ما الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك؟! يكمن السبب الأول، أن مجموعة النواة المشكلة لهذه الحركة، كانت تفتقد إلى استراتيجية واضحة بحيث لخصت كل معركتها في الإطاحة بالأمين العام ومن ثمة إبعاد بطانته التي كانت تصفها ''ببطانة السوء'' كما أن هذه الحركة كانت تفتقد إلى خطة تمكنها من تحويل ميزان القوة داخل جهاز الأفالان لصالحها، وهذا ما جعلها تكون فقط قوة استقطاب لكل الغاضبين من بلخادم، والمحتجين ضده لأسباب متشابهة أحيانا، ومختلفة أو متقاربة أحيانا أخرى·· ومن هنا كانت حركة التقويميين الجدد بمثابة الثغرة التي حاول أن يوسع من رقعتها قادة التيارات التي كان لها في السابق وزنها وتأثيرها وهم يشعرون اليوم أنهم فقدوا زمام المبادرة وتغيير توجهات الحزب الذي أصبحت قيادته اليوم بأيدي من أصبحوا المقربين من أصحاب اللحظة الغالبة منذ خسر أنصار علي بن فليس معركتهم ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة· أما السبب الثاني لهذا الخفوت السريع والوجيز لحركة التقويميين الجدد، فيتمثل في تركيزهم الصراع على الأشخاص بدل الأفكار، وهذا ما جعل الحركة تبدو فاقدة للإنسجام ومفتقرة للرؤية السياسية، بحيث احتلت القضايا الثانوية ذات الطابع التقني والتنظيمي الرتبة الأساسية، ولقد ظهر جليا الخلط في ترتيب الأجندة بين التاريخين الأساسيين، وهما تاريخ التشريعيات وتاريخ رئاسيات ,2014 ضف إلى ذلك عدم أخذ المعطى السياسي الحالي، بعين الإعتبار، وربما أدى ذلك بالكثير من المراقبين إلى اعتبار الحركة التقويمية الجديدة هي مجرد صدى لصوت خفي يمتلك نفوذا، يهدف صاحبه إلى إضعاف القيادة الحالية للأفالان، بل إلى إضعاف الأفالان كجهاز مؤثر في لعبة الرئاسيات القادمة إذا ما ظل تحت تأثير نفس القوى النافذة التقليدية·· لكن قد يعود السبب الرئيسي في اضمحلال هذه الحركة إلى عدم تمكنها من أن تتشكل كقطب سياسي مستقل داخل الأفالان، وذلك بسبب نشدانها البقاء تحت سلطة الرعاية الخفية، وهذا ما أفقدها رضا السلطة الراعية بسبب عدم الحنكة الذي بدأ منذ اللحظة الأولى لإعلان نخبها·· وقد يضاف إلى كل هذا ذلك الربط الذي فرض نفسه على المراقبين، بين ما صرح به السيد سيد أحمد عياشي، زعيم الأرسيان عن رغبة حزبه بترشيح شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة لرئاسيات ,2014 ثم تراجعه عن ذلك يوما فقط، بعد صدور الحوار في ''الجزائر نيوز'' بعد ما أثاره من ردود أفعال صاخبة ومقلقة وزمن بروز الحركة التقويمية الجديدة، ولقد كان لهذا التزامن انعكاس سلبي على قيادة التقويميين الجدد·· لقد خرج بلخادم منتصرا، وهذا ما يبدو في الظاهر·· لكن وهو الذي لم يخف نيته الباطنة في الترشح لرئاسيات 2014 في حالة عدم ترشح عبد العزيز بوتفليقة، أعلن للصحفيين أن حزبه سيرشح بوتفليقة لعهدة رابعة، هل يعبر ذلك عن قناعة أم هو جواب سياسي على ما أثارته حركة التقويميين الجدد، وتصريح رئيس الأرسيان من شبهات، كانت بمثابة زلزال حقيقي لدى أهل العرفان السياسي؟!