قال وهو يحاول أن يستجمع ما تبقى في ذاكرته التعيسة عن ما مضى وما سيكون·· حاولت جمع أفكاري ولكنها تتشتت·· حاولت أن أفكر ولكن التفكير لا يجد مبتغاه·· قلت له·· ''بديتنا بالفلسفة تاعك''؟ قال·· هي الحقيقة·· لا أفهم لماذا نحن نعيش؟ وعلى ماذا نعيش؟ قلت له ضاحكا·· وهل أنت عايش أصلا؟ قال ناهقا·· هذا هو صلب الموضوع·· هل أنا عايش؟ قلت·· خليها على ربي·· ولا تفكر في مثل هذا السؤال الغامض لأنه سوف يفتح لك باب المجهول·· قال·· أقسم لك أنني لم أعد أعرف هذه الحلقة المفرغة التي نعيش فيها·· تدور مثل الطاحونة الفارغة وتجتر الهواء على الخواء·· قلت·· كلنا نفكر مثلك ولكن ساعة ساعة نتناسى·· قال·· لا نستطيع المواجهة·· لقد ربوا فينا الخوف والجبن·· قلت·· هم زرعوه ونحن أكملنا المسيرة·· قال·· كرهت أريد أن أعرف رجلي من رأسي·· أريد أن أصرخ، أن أبكي، أن أقول·· أين حقي؟ قلت والقهقهات تغلبني·· حقك؟ حقك في ماذا أيها الحمار·· أنت تأكل وتشرب ما تيسر، هذا هو حقك·· لم يعجبه كلامي طبعا وأراد المزيد من الكلام فقلت له·· اسمع أيها الحمار أنا أفهم ما ترمي إليه وأشاطرك الرأي أكثر من أي مرة ولكن·· قاطعني·· قلت لك إنه الجبن·· نحن جبناء·· قلت·· يا سبحان الله تريد أنت أيضا أن تأخذ حقك بالقوة؟ قال·· نعم بالقوة·· قلت إذا كان حمار مثقف مثلك يريد القوة ماذا يبقى للآخرين؟ نهق عاليا وقال·· ينعل بو الثقافة والتثقيف·· كرهت·· كرهت·· كرهت·· قلت له·· نفّس عن قلبك يا حماري ودع عنك أفكار التشاؤم والكره وانظر إلى الحياة الجميلة·· قال·· جميلة؟ أين هي هذه الحياة الجميلة؟ أنت تخدرني بكلامك وأنت على يقين بأن هذا البلد لا جمال فيه ولا هم يفرحون·· قلت·· لقد كرهت منك أيها الحمار اضرب رأسك في الحيط وهنيني منك؟