قامت ''الجزائر نيوز'' بزيارة لمتحف الفنون الجميلة الذي رغم احتوائه على تحف نادرة في أروقة المعرض تمثل العديد من الرسامين العالميين من مختلف مدارس الفن التشكيلي إلا أن غياب وسائل الحفظ الحديثة في المتحف يمكن أن يهدد هذه الأعمال التي تعد كنزا ثمينا للمتحف والجزائر ككل، إذ يوجد بالمتحف مجموعة نادرة وفريدة من الأواني الفخارية، بالإضافة إلى نسخ فريدة من المنحوتات البرونزية، ومع ذلك يظل هذا الصرح الثقافي المتفرد والمتميز مجهولا لدى عامة الجزائريين، مع العلم أن سعر تذكرة الدخول لا يتجاوز بضعة دنانير· في أعالي العاصمة وبين طبيعة خلابة يقع أحد المعالم الثقافية البارزة والمهمة في الجزائر، الأمر يتعلق بمتحف الفنون الجميلة الذي يتكون من أكثر من 20 صالة تحمل كل منها توقيعات لفنانين عالميين من مختلف المدارس والتقنيات على غرار ''بروين لو جون'' في لوحته الشهيرة ''صورة امرأة جالسة'' التي تعتبر من أبرز لوحات الواقعية، وكذا لوحة ''الميلاد'' ل ''ويتز كونراد''، كما توجد في القاعة لوحات الطبيعة الصامتة تحمل الكثير من التوقيعات العالمية مثل ''فرانسوا يوهانس''، ''فان دايل'' و ''ثيو بالد ميشو'' في لوحته الشهيرة ''مشهد ريفي''، وكذلك ''جاكوب'' في لوحة رائعة ''مناظر خريفية''، بالإضافة إلى ''المناظر الطبيعية مع الحوريات'' للرسام العالمي ''فان روسي''، كما نجد العديد من لوحات عمالقة مدرسة بداية التكعيبية في القرن السابع عشر ك ''هندريك تير بروغن'' في لوحته ''عازف العود''، ''يان افان غون'' في تصوير جميل ''على ضفاف نهر هولندي'' وكذا صورة ''تعميد المسيح '' ل ''دا مودينا برنابا جاكوبو''، وأيضا ''سيباستيانو ريتشي'' في لوحة ''العذراء والطفل''، وغيرهم كثيرون من عمالقة الفن التشكيلي العالميين· إلى جانب عرض مجموعة كبيرة من لوحات مميزة ل ''هنري ماتيس'' أهمها رائعة ''إمرأة بعقد أحمر''، وأيضا العديد من تابعيه أمثال ''موريس فلامينك''، ''أندري دوران'' في لوحة ''منظر طبيعي''، كما يوجد في المتحف أيضا كل من ''فانتان لاتور''، ''فرانسوان بوفون'' في المدرسة الرمزية، ''إدوارد فيلار''، ''بيير بونار'' رائدا مدرسة النابية الحميمية، وأيضا المدرسة الانطباعية من خلال ''إدغار ديغاس''· شراء، هبة، وأعمال من الفنانين أنفسهم تعود مقتنيات المعرض إلى سنوات عديدة ماضية، حيث جاءت العديد من اللوحات الموجودة في المعرض عن طريق الشراء من العديد من المالكين الأصليين للوحات التي كان معظهم من المعمرين في الجزائر خلال سنوات الاحتلال، كما وهب الكثير منهم اللوحات التي كانوا يحتفظون بها للمعرض، أما عن الأعمال الحديثة فقد تم تقديم الكثير منها كهبات للمعرض من طرف الفنانين والنحاتين أنفسهم من أجل حفظها في المعرض وإيصالها للأجيال القادمة، كما توجد في القاعة البرونزية مجموعة من المنحوتات الحديثة من الخزف مهداة من طرف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة· بعيدا عن الرسم والزخرفة يضم المعرض في القاعة البرونزية المتواجدة في الطابق الأول العديد من المنحوتات البرونزية التي يعد بعضها فريد من نوعه في العالم مثل المجسم العملاق ل ''أنطوان بوردال'' المؤرخة من سنة 1909 تحت عنوان ''هيركل أرشي يقتل طيور الستيمفال'' التي تمثل إحدى روائع مدرسة النحت الفرنسية، بالإضافة إلى منحوتة ''الشابة ذات السلحفاة'' للنحات الفرنسي ''ليون فوركي'' المؤرخة في سنة ,1841 كما يمكن أن نجد بعض النسخ الأصلية للعديد من رواد الفن في العالم، فالمتحف عرف نهضة حقيقية في فترة من تاريخه كان خلالها لا يقل قيمة عن أعرق المتاحف العالمية، التي تفخر بتوفرها على الأسماء المتوفرة لدى متحف الجزائر، وهو ما يجعل الخبراء يجمعون على أن متحف الجزائر بالرغم من أنه لم يجدد مجموعته الفنية إلا أنه يعد واحدا من أهم المتاحف عبر العالم، باعتبار أنه يضم العديد من اللوحات الأصلية لمختلف المدارس الفنية التي ازدهرت عبر العالم، والمثير أن العديد منها مهداة من الفنانين أنفسهم، فقد كان للمتحف تلك المكانة التي تحتم على كل فنان أن يضع ولو عملا له فيه· وقد عرف متحف الفنون الجميلة بالجزائر العديد من المراحل، لعل أقلها مجدا تلك التي عرفتها قبل عقد من الزمن، حيث أنها عرفت تراجعا في الإمكانيات المتوفرة لديها لحفظ التحف النادرة، دون الحديث عن حتمية اقتنائها لأعمال حديثة من أجل منافسة أهم المتاحف العالمية، ومع ذلك فإن الفترة الأخيرة باتت تشهد ما يشبه العودة، سيما بعد عملية الترميم التي شهدها المتحف· للفن والفنان الجزائري نصيب في المتحف يوجد في المتحف أيضا قاعة مخصصة للفن الجزائري المعاصر، حيث تجمع القاعة بين رمزين من رموز الفن التشكيلي الجزائري على رأسها أب المنمنمات في الجزائر ''محمد راسم'' الذي جمع له المتحف العديد من التحف الفنية التي قدمها خلال حياته الفنية، كما تجمع أيضا القاعة مجموعة من اللوحات الرائعة للفنانة الجزائرية ''باية''، كما توجد في المعرض أيضا أعمال لرسامين عالميين تناولوا المجتمع الجزائري بعاداته وتقاليده، هذا إلى جانب مجموعة من أعمال الفنانين المستشرقين الذين خلقوا تيارا ممجدا للعادات والطابع المعيشي في الجزائر خلال فترة الاستعمار، غير أن المتحف يضم كذلك أسماء لعمالقة الفن التشكيلي الجزائري، فإلى جانب كل من ''باية'' و''محمد راسم''، هناك أيضا ''إسياخم'' و''رشيد قريشي'' وغيرهم.. فالمتحف هو بوابة لكل الفنانين الجزائريين المعاصرين الذين يسعون لعرض أعمالهم، ليصبح بذلك المتحف مكانا للعرض· أعمال رممت، وأخرى لا تزال تنتظر من خلال جولتنا في المتحف لاحظنا تلك الصور والشروحات الموجودة أمام الكثير من التحف والرسومات القديمة والتي تم ترميمها، حيث كانت في حالة كارثية عندما وهبت للمعرض أو اشتريت من أصحابها الأصليين، كما وضحت الصور الخطوات المتبعة في عملية الترميم، من نزع الطلاء الخارجي، إعادة دهن القشور، وإعادة صبغ اللوحة بطلاء شفاف من جديد، لكن وفي ظل غياب وسائل الحفظ الحديثة لا تزال العديد من اللوحات توجد في حالة تحتاج أيضا للترميم حيث بدأت تتقشر بفعل العوامل الطبيعية المحيطة بها· وفي غياب وسائل الحفظ الحديثة التي لابد منها في مختلف متاحف العالم، يتساءل الكثير ممن زاروا المتحف والعارفين بقيمة المقتنيات الموجودة فيه، عن المدة الزمنية التي يمكن فيها للوحات أن تعمر في المتحف إذا وفرت لها هذه الوسائل، خاصة وأن الكثير منها بدأ يفقد بريقه، بعد أن تقشرت الكثير من حوافها وعي مرشحة لتتدهور أكثر إذا لم ترمم سريعا، أما عن تلك التي رممت قبل ذلك فلا يمكن لها أن تصمد إن لم تحافظ عليها بطريقة حديثة· هل يعرف الجزائري قيمة ما يحتويه المتحف؟ رغم كل هذه التحف النادرة التي يضمها المعرض، بالإضافة إلى سعر الدخول الرمزي الذي لا يتعدى 20 دج، إلا أن الزيارة التي قادتنا إلى المتحف وعلى مدار يومين متتاليين لم تسمح لنا بالالتقاء بالعديد من الزوار، عدا بعض السيدات اللائي عرفنا أنهن من خارج الوطن (أي سائحات) بدت على وجوههن الكثير من علامات الإعجاب والانبهار بالتحف واللوحات الموجودة في المتحف· ويوجد بالمعرض أيضا حوالي 232 قطعة من الأواني الفخارية والزجاجية النادرة، عرضت في القاعة المخصصة للأواني والخزف، 81 منها في خزائن زجاجية لحساسيتها وسهولة تلفها لو تعرضت لأي سقوط، ومن التحف النادرة في هذا الجناح قنينة تعتبر قطعة وحيدة في العالم من الصلصال الأزرق، كانت بحوزة أحد المعمرين الفرنسيين بالجزائر، إقتناها منه المتحف خلال وجوده في الجزائر· المثير أن المزادات العالمية الخاصة بالأعمال الفنية تعرف ارتفاعا كبيرا للأسعار قد يصل إلى عشرات ملايين الدولارات، والحال أن متحف الجزائر هو الآخر لا يقل قيمة، إذ يتوفر على أعمال لو قدرت بأسعار هذه المزادات لاعتبرت ثروة حقيقية، فيكفي أن أعمال ''فون غوغ'' تفوق خمسة ملايين دولار، وبالرغم من ذلك يظل متحف الفنون الجميلة بالجزائر يعاني غياب سياسة تعيد الاعتبار لهذه الثروة الفنية·