كل مؤشرات المأساة الاجتماعية تتراكم والعديد من الانتفاضات تتوالى يوميا. يجب أن نصغي لما يقال، لما يفكر فيه ولما يخمنون. يجب التوقف عند الأحداث الأخيرة وطرح المسائل الحقيقية. عرف التاريخ الاجتماعي للعام 2010 جوا مشحنا من الانتفاضات، التي بلغت أكثر من عشرة آلاف انتفاضة عبر كامل التراب الوطني. كل مؤشرات المأساة الاجتماعية تتراكم والعديد من الانتفاضات تتوالى يوميا. يجب أن نصغي لما يقال، لما يفكر فيه ولما يخمنون. عائلات كثيرة غير قادرة على تحمّل البؤس الذي تعيشه، وليس لمؤشرات الأسعار أي صلة بالواقع المعيش داخل البيوت الجزائرية. كل الإحصائيات حول القدرة الشرائية، القفزة في أسعار المواد الأولية الضرورية والتضخم الفاحش كاذبة، حيث يضرب ارتفاع الأسعار الفقراء بقوة. وتثير احتياجات التعليم، الشغل، السكن والصحة الضروريات المستعجلة للمجتمع. أضحى القلق، اليأس والكبت والتعصب يسكن الناس. الشباب من دون عمل وكثيرون من يعتمدون على عائلاتهم، وقليل جدا من يتمكن من تكوين أسرة بمقوماتها في هذه الظروف. هؤلاء الذين يمثلون الأمل، المستقبل، ويحبون الحياة، اتضح أن الحياة لم تحبهم. إنهم ثائرون ضد السلطة التي ترفض إدماجهم كفاعلين في الحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية، جاعلين منهم قصرا غير راشدين بدل أن يعاملوهم بمرتبة المواطنين. هناك انكسار، بل أكثر من ذلك قطيعة، بين من جهة أقلية مهمة تتمتع بمستوى معيشي معادل للبلدان المتقدمة أو أكثر منها، ومن جهة أخرى الغالبية الساحقة للمجتمع، الفقراء، النساء، العمال، الذين يتقاضون أجورا لا تكفي حتى لقضاء شهر كامل ويعانون من الجوع. ماهو موقف المثقفين من هذه الأزمة؟ معظمهم تابعين للسلطة، لكن كثيرون الذين نددوا كذلك من خلال مبادرات منسجمة ومتفانية، من أجل الحد من تعسف السلطة في حق الشعب. وبرزوا كقوة ديموقراطية قادرة على جلب الطاقات وإفشال المشروع الاستبدادي للسلطة، منهم رجال ونساء بقلب، يرفضون تكميم أفواهم وغضّ بصرهم في محاولة لإخراج السلطة من عميّها وسباتها، هناك رجال ونساء آخرون، سكتوا عن خطورة الواقع السياسي والاجتماعي بانحيازهم إلى سياسة السلطة. لقد حدث الطلاق بين الشعب المحروم من حقوقه، والسلطة التي تتظاهر بتمثيله وتتحدث باسمه في حين أنها تمنعه من الكلمة. ويشعر الشعب الذي تستبده السلطة، أنه يعيش تحت الحياة السياسية، الاجتماعية والثقافية، من دونه وضده. كل واحد في ظل هذه الأزمة، يكتفي بالملاحظة، بالاستهتار أو تنمية شعور الكراهية ضد الآخر. والأسئلة من دون إجابات تتراكم: أين نحن؟ وإلى أين نسير؟ إنها الأسئلة المملة التي تعود مرارا. تحوي الجزائر على احتكار غير عادل نوعيا وكميا من طرف أقلية غنية بفحش، في حين أن الفقراء هم أفقر وأكثر. لم تكن السلطة قادرة على الاحتياط أو على الأقل على تكوين رؤية سياسية واضحة لمكبوتات الشعب وعصبياته. ماسكة بأهم محركات جهاز العدالة، وتنظر بنقص في تسييره وقراراته. لم تعد المحاكم والمجالس أمكنة للنطق بالعدالة. بل تحوّلت إلى مجالس سياسية، حيث تحاكم السلطة منافسيها أكثر من أعدائها. والجزائر بحاجة إلى رفع حالة الطوارئ التي تعيق فتح الحقل السياسي والإعلامي، وكذلك ممارسة الحريات الشخصية والجماعية، إلى صحافة حرة، وإلى عدالة مستقلة، إلى الحق في الإعلام، وحرية التعبير، وكذا الاختلاف في الرأي. تدعو الصحافة إلى النقاش وتطرح الأسئلة المزعجة، تطرح التناقض وتغذي التفكير الديموقراطي الضروري. واكتسحت فضيحة الرشوة بقوة، حيث نشهد سطحية في تسيير مداخيل البترول، دم وحرية الشعب. ولا تنفصل الرشوة عن ممارسة السلطة، وفي جميع قطاعات النشاط بشكل لا يتوقعه العقل، بل أصبحت نمط حياة معتمد، يبدأ من السرقة المحضة والبسيطة، إلى العقود الرخيصة، إلى تضخيم الفواتير واللصوصيات الكبرى في الأموال. طائفة قليلة ممن تحتكر الدولة وأرباحها، بتحويلها إلى أداة سيطرة سياسية فحسب، بل كذلك مصدر سلطة اقتصادية، مهتمة فقط بامتيازاتها وأموالها المكدسة على ظهر الجماعة الوطنية. الدولة لم تعد دولة قانون بل دولة لا قانون. هل سنقول يوما إننا تجاوزنا الأسوأ، وهو وراءنا وأن الأفضل أمامنا؟ هل سنسير على أعقابنا في الجزائر إلى هذا الحد؟ إن الشعب لا ينسى ولا يسامح. لم نعد نلتقي، لم نعد نصغي لبعضنا، لم نعد نحادث بعضنا، لم نعد نفهم بعضنا. لم يعد هناك سوى شق، بل شرخ، انكسار داخل المجتمع الذي مر بصراعات أساسية وكفاحات للتغيير. الديمقراطية هي اختراع ورقابة السلطة أثارت السلطة في أعماق الأمة المهانة حاجة مصرّة إلى الديمقراطية، الحرية والعدالة. وسيكون لمطالب حقوق الإنسان ثقلها على السلطة التي ستحمّلها على التغيير الديمقراطي. إن الديمقراطية هي الفصل بين السلطات وما ضد السلطات، فهي تملي على الحاكمين باسمها، توسيع فضاء حرية المواطنين من جهة، وضمان الإمكانيات الاقتصادية لهذه الحرية من جهة أخرى. وهي تتحقق من خلال التناوب. تعتبر التزوير الانتخابي، تقليدا استعماريا قديما، معتمد بشكل واضح في التقاليد السياسية، وأصبحت لها موعد في كل انتخابات. ماذا في وسع الشعب الغاضب من حاكميه أن يفعل، سوى أن يحارب من أجل استبدالهم بآخرين. يجب التحضير لانتقال سياسي لتجنب التغير عن طريق العنف. ومن أجل ذلك ليس علينا تربيع الأيدي، في موقف المشاهد العقيم، لا يجب القول إننا لسنا معنيين بالأمر، لأنه إذا لم تقوموا بالسياسة فإن السياسة هي التي ستقوم بكم. تجدر الإشارة إلى جانبين مميزين في النظام الجزائري: لقد قال روديارد كيبلينغ ''إن الثورة ليست أبدا ملك من يطلقها الأول، بل هي دائما ملك الذي ينهيها والذي يسترجعها كغنيمة'' وكتب نيل كينوش ''أنا مستعد للموت من أجل وطني، وليس لموت وطني من أجلي''. يجب إعادة الجزائر على السكة، جمع الجزائريات والجزائريين من جميع الأطراف، مع مجتمع مدني متكاتف وقادر على التعبئة، قادر على تقديم كفاءاته وتجاربه، في خدمة التناوب الديمقراطي. يجب على المعارضة تجاوز الانقسامات بداخلها والتحلي بالديمقراطية، النظام السياسي لسلطة بالتراضي الحر وليس المفروض. الجزائر 16-01- 2011