تنشر ''النهار'' ملخص مقابلة أجريت مع الرئيس الأسبق لمجلس الأمة، والقيادي البارز في الحركة الوطنية، الراحل بشير بومعزة، الذي تحدث إلينا قبل أربع سنوات، في منزله، قبل أن يطلب منّا تجنب نشرها. وتمحورت المقابلة مع الراحل بومعزة حول قضايا دولية وإقليمية راهنة، من منطلق معايشته لأحداث مرتبطة بالوضع، واحتكاكه عن قرب بأصحاب القرار في عدد من البلدان التي تعرف بعض تلك الأحداث، مثل العراق واحتلاله من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية، متطرقا في ذات الوقت إلى علاقاته جد الوطيدة التي كانت تربطه بصدام حسين إلى جانب الزعيم الليبي امعمر القذافي. أوضح السيد بشير بومعزة، الرئيس الأسبق لمجلس الأمة الجزائري والشخصية القومية العربية البارزة، أن ما يحدث الآن في المنطقة العربية لم يشهده العالم العربي منذ خمسين عاما.. وفي قراءته السياسية والاستراتيجية بما يجري على المديين القريب والبعيد تعتبر الشخصية الثانية في النظام الجزائري قبل استقلالها أننا بصدد ''مرحلة عالمية تراجيدية بطلها وكاتب السيناريو فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها المقربون.. تدور مشاهدها على الخشبة العربية الإسلامية وللأسف الشديد أن متفرجيها هم العرب والمسلمون أنفسهم''، والسبب في ذلك كما يرى بومعزة يعود بالدرجة الأولى إلى ''خنوع الأنظمة العربية الحاكمة وعدم وعيها بما يحدق بها من مخاطر مهما تواطأت'' وكذا ''السبات الذي أصاب الشعوب العربية فأطبق عليها صمت المقابر بالرغم أننا - كما يقول - نتلقى يوميا'' دروسا عظيمة من الانتفاضة الفلسطينية'' تزرع الأمل فينا من جديد من خلال تلك ''العمليات الاستشهادية والبطولية الفردية التي تقودها أحيانا فتيات في مقتبل أعمارهن''.. تأثيرها على الأحداث يفوق بكثير كل الخطابات الجوفاء بل والمثبطة لكل عزيمة حية. وعن الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات الرهينة الصامد يقول بومعزة أن الانتفاضة بجميع وسائلها هي ''أفضل حماية له بل والمنقذ للمشروع الفلسطيني ككل منذ أوسلو''.. فكلما نقضت الإدارة الاسرائيلية لهذه الاتفاقيات أو تلك - وربما يضيف محاورنا سيصلون مستقبلا إلى التراجع النهائي عن كامب ديفيد - كلما ازداد سلاح الانتفاضة قوة والشعب الفلسطيني تلاحما. غير أنه وبالموازاة مع ذلك، برزت ولأول مرة منذ ما يزيد عن نصف قرن معادلات جديدة تجاوزت كل إرادات الأنظمة العربية الفاقدة لكل شرعية شعبية يؤكد السيد بومعزة على أهمية تأثيرها وهي تتمثل في ''الدور الذي يلعبه الشتات العربي بالغرب''، حيث يقدم قضايا الأمة بصور مختلفة، مما ''زاده أكثر التزاما بقضايا أمته من جهة وتأثيره الواضح في الوعي الغربي بعدالة قضيته''، وذلك يضيف بومعزة ''لم يكن موجودا مثلا عام 1974 أثناء التقسيم الذي عرفته المنطقة حيث كان العالم كله آنذاك متعاطفا بل ومدافعا عن اليهود وقيام دولة إسرائيل''. وإذا كان ذلك من إيجابيات الصراع العربي الصهيوني فإن الرسالة التي يريد أن يبلغها المناضل العربي بشير بومعزة هو تخوفه من ''تحرك الشعوب العربية متأخرة'' أي بعد ضرب العراق ومحاولة التصفية النهائية لعرفات والانتفاضة... وهنا تكمن الخطورة... فلا طائل بعدها من ضرب مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل هنا وهناك.. والأمل في أن تتحرك الشعوب بوسائل واضحة ولأهداف أوضح'' بالضبط كما تفعله إسرائيل في ''استغلالها للأزمات الدولية من أجل تمرير مشاريعها ومخططاتها الصهيونية''. وعن سؤالنا الخاص بنعت العمليات الاستشهادية ب''الإرهاب'' رد قائلا: ''أرفض أن يقال عنها إرهابا لأنها الوسيلة الوحيدة بل والأمل الوحيد بيد الفلسطينيين''، ''نحن أيضا يقول السيد بومعزة كنا ننعت بالارهابيين إبان الثورة التحريرية'' وأردف ''جورج بوش كان يقول علنا وصراحة من لم يكن معنا فهو ضدنا... ومن كان ضدنا فهو عدو وإرهابي'' إذن ''نحن إرهابيون لأننا ضد أمريكا في غطرستها''. لم تكن هناك أية علاقة بين صدّام والقاعدة أما عما تردد عن الإدارتين الأمريكية والبريطانية عن العلاقة الموجودة بين تنظيم القاعدة ونظام صدام حسين سابقا بالعراق، أوضح الرجل وهو العارف بالشأن العراقي من الداخل، أن ذلك ''وهم كبير وأكذوبة وقحة''، فالعراق لا إيديولوجيا ولا سياسيا يعتبر أرضا خصبة لمثل تلك الجماعات أو التنظيمات. ويضيف ''لا يوجد هنالك نظام عربي واجه واعترض على أعمال تلك الجماعات كالعراق''. وبوصفه شاهدا على أحداث كثيرة، أكد بومعزة أنه حتى أيام الحرب الباردة في السبعينيات وحينما ضربت القضية الفلسطينية في القلب وقبل أن تباشر العمليات التاريخية على المستوى الدولي كاختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن وضرب المصالح الأمريكية عبر العالم ''تقاطعت رؤى ياسر عرفات وصدام برفضها لتلك الطرق داخل الأراضي المحتلة.. وقد عرفت عن قرب يقول الأستاذ بومعزة أمثال وديع حداد وأبو نضال وكارلوني وغيرهم... وكم كانت انتقاداتهم شديدة لنظام بغداد لأنه لم يكن يساندهم لا بالخطاب ولا بالتمويل ولا بالايواء في توجهاتهم واستراتيجيات عملهم... بل وأبعد من ذلك، يؤكد رئيس البرلمان الجزائري الأسبق المعروف بصلاته الوطيدة بالرئيس صدام حسين والحركات التحررية والتنظيمات المختلفة في العالم أن هذه التنظيمات ''المتطرفة'' عربية كانت أو غير عربية ''اقترحت على العراق إبان حرب الخليج الثانية تأسيس تنظيم وجبهة دولية لضرب أمريكا من الداخل ومصالحها في الخارج وكذا حلفائها''... غير أن الرئيس صدام ''لم يوافق أبدا على تلك العروض... بل وكان يعتبرها لا تتماشى ورؤيته وأن ضررها أكبر من نفعها''... هذا ما أشهد عليه أنه حدث في السابق يقول بومعزة غير ''أني لا أدري كيف سيتعامل معها صدام خصوصا إذا بعدما أصرت الولاياتالمتحدةالأمريكية على ضرب العراق وإهانته ودوس سيادته وتغيير خارطته من أجل الدفاع والحفاظ على مصالحها ليس إلا''. أما فيما يتعلق بما تسميه أمريكا بالأمن الوقائي من إمكانية ''تهديد العراق لجيرانه ولها والعالم''، فيتساءل بشير بومعزة عن مدى جدية هذه التصريحات بل ويقول: ''كيف يهدد هذا البلد المحاصر منذ أكثر من عشرية والمراقب أرضا وجوا وبحرا أمن أمريكا.. بماذا وكيف؟!'' وإذا كانت أمريكا تتحدث عن تهديد حقيقي، فإن ذلك كان حسب بومعزة أكثر من ممكن خلال أزمة الصواريخ (كوريا سنة 1962) بحكم القرب وفعالية الأسلحة السوفياتية آنذاك.. وبالرغم من ذلك لم يحدث ما نراه اليوم من قبل إدارة بوش ودعاة الحرب والعدوان فيها... بل أن أمريكا حينها لم تطالب بتغيير ديمقراطي وتنحية كاسترو من الحكم (وها هو مازال إلى اليوم) كما تريده من تدخلها في العراق أي البحث عن رأس صدام حسين وتعويضه بمن يقول لها سمعا وطاعةً. وللتاريخ، يقدم لنا السيد بومعزة شهادته عن المحادثات الرسمية التي جمعته والوفد الجزائري بقيادة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة مع الرئيس خروتشوف وميكويان سوسلوف حيث تم اطلاعنا يقول بومعزة عن خلفيات تلك الأزمة التي اقتربت من الحرب المعلنة... وذلك ما يكشف لنا كما يضيف ''كمقارنة بسيطة بين الأزمتين الدوليتين انطلاقا مما تسميها أمريكا بتهديد أمنها الداخلي أن الخلفيات الحقيقية للولايات المتحدة بالمنطقة مختلفة تماما عن فكرة الديمقراطية وتحرير الشعوب من الاستبداد بدعوى القيم الإنسانية... فالديمقراطية الحقة، يؤكد السيد بومعزة، هي ديمقراطية الانتفاضة التي تبحث عن حريتها وانعتاقها من السيطرة الصهيونية... وليس ديمقراطية هدر حقوق الشعوب وتحطيم قدراتها... ويستطرد محاورنا بالقول أن ''ما تزعمه أمريكا قيما هو فقط غطاء للدفاع بل وانتزاع مصالح.. القيم الإنسانية هي قيم الشعوب من مثل العربية والإسلامية التي تنطلق من قيمها الحقة وتدافع عنها بل وتقاوم من أجل الحفاظ عليها''... إن هذه الأفكار هي النقيض الأكبر لما تريده أمريكا وإسرائيل على حد تعبيره، ولذلك تراهما يحاولان عزل عرفات مثلا وتشويه صورته وحصاره يوميا... وكلما كان ذلك ازدادت إرادة الشعب الفلسطيني صمودا وقوة... وماذا تعني الديمقراطية إن لم تكن ذلك؟!. أنني، يسترسل السيدة بومعزة، هذا الرجل القلق جدا على أوضاع أمته، أتأمل وأفكر في طبيعة الأمم والقوى العظمى من خلال نموذج عقدة العراق لدى أسرة بوش الأب والابن اللذان حولا المسألة إلى صراع شخصي وليس دائما انطلاقا من المصالح العليا للولايات المتحددة.. ألم يقل كلينتون لبوش أثناء الحملة الانتخابية: ''لديك مرض نفسي اسمه ''صدام''... ويعلق بومعزة على ذلك بالقول: ''حينما يغلب طابع العواطف والمصالح الشخصية عند شخص أو دولة على المصالح العامة والقيم المشتركة فإنه يصعب حينها التحكم في أية مشكلة كانت''. أمريكا لن تسمح بقوة إقليمية توازي إسرائيل إن حتمية تحطيم العراق بتعبير بومعزة في مشروع السياسة الخارجية الأمريكية يرجع حتما إلى ما تريده أمريكا من المنطقة ككل... فهي لن تسمح أبدا للعراق بإعادة إنتاج نموذج ''بروسيا عسكريا ولا نموذج'' اليابان اقتصاديا وتكنولوجيا''، فكل الأبواب غلقت في وجهه حتى لا يشكل قوة إقليمية تخلق التوازن مع إسرائيل بل وترهبها...''وأمريكا جعلت من القوتين العسكرية والاقتصادية حكرا على كلب حراستها في المنطقة إسرائيل'' وذلك ما يجعلنا، يضيف بومعزة، نجزم القول أن الدول الأخرى المجاورة ستلقى نفس مصير العراق بما فيها تركيا والسعودية مثلا، حيث لن يسمح لأي كان ذي مرجعية عربية إسلامية أن يبني قوة مهما كان نوعها'' بمعنى أنه لن يسمح للعراق مثلا حتى بإعادة تاريخه المجيد وحضارته العريقة لا من خلال نموذج حامورابي وسومر ولا من خلال سارغوت كمشروع قوة نووية''. وفي رده عن سؤال متعلق بالقرار الأمريكي الأخير من خلال توقيع الرئيس بوش على قانون يجعل من القدس عاصمة لإسرائيل وإمكانية تحويل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى هناك، عبّر بومعزة عن قلقه العميق الناجم عن شعوره كمسلم بالطعنة الكبيرة لهويته الإسلامية، وأعقب ذلك بالقول أن ذلك احتقار وإهانة لكل مسلم وعربي في العالم وإثارة لعواطفهم بمن فيهم الملايين من عرب ومسلمي أمريكا الذين ''اختاروه مرشحا لهم'' في الانتخابات السابقة.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ذلك تعبير صريح عن ''البنية النفسية والذهنية للرجل وإدارته حيال ما أسماه بوش نفسه ''بالحرب الصليبية الجديدة''.. وتلك هي الحقيقة التي لا غبار عليها. وإذا ما أردنا الربط بين انتفاضة الأقصى بعد عامها الثاني وعملية الاعتداء على العراق، يشير بومعزة أن أمريكا ''تستعمل تارة الانتفاضة لإلهائنا عما يحدث بالعراق.. وتريد استعمارا جديدا للعراق لتغطية ما يحدث داخل الأراضي المحتلة من مجازر وجرائم ضد الإنسانية، كمجزرة جنين التي سكت عنها العالم بل وأن إسرائيل رفضت علنا لجنة التحقيق الأممية ولم يرد عليها أحد أو يقمعها من أمريكا إلى الأممالمتحدة إلى الغرب عموما''. إن السيناريو، يشدد بومعزة، مستمر في تنفيذ هدفه ''مشروع سايكس بيكو جديد ورسم خارطة جيوسياسية مختلفة تسمح لأمريكا بالسيطرة على كل شيء في المنطقة من الثروات والعباد وإعلائها من تشاء من الحكام والخدم'' وهذا ليس بجديد من السياسة الخارجية الأمريكية يضيف بومعزة، فذلك من الثوابت المتفق عليها مهما كان الاتجاه الحاكم في أمريكا، معللا ذلك بما أكد عليه الرئيس نيكسون في كتابه ''الحرب الحقيقية'' (1980) بالقول: ''اليوم وأكثر من أي وقت مضى، معرفة من يتحكم في ماذا في الخليج الفارسي والشرق الأوسط هي المفتاح الذي يمكن من معرفة من سيتحكم في العالم''، ''العراق هذا البلد المتطرف، يمثل اليوم القوة العسكرية الأكبر في الخليج '' ص5 ويعزز بومعزة كلامه بالقول أن ''أمريكا ومعها إسرائيل لن تكتفيان بالسيطرة على المنطقة، فهدفهما الأكبر هو ''البحر الأحمر والتوغل في إفريقيا كعمق استراتيجي للعالم العربي تحقيقا لمصالح أمريكا ولبشائر مشروع إسرائيل الكبرى''. وعن سؤالنا عن العالم ما بعد هذه الحرب الجديدة إذا ما وقعت، يرد الأستاذ بومعزة بالقول أنها ''نهاية للمؤسسات الدولية والإقليمية''، يقصد هيئة الأممالمتحدة التي أصبحت في قبضة الولايايت المتحدةالأمريكية تخطيطا وتمويلا وليس أدل على ذلك من ذلك الصمت الرهيب والنشاط المعكوس لأمينها العام، ولو أن أحد سابقيه، يقول بومعزة، ويقصد به بطرس غالي، كان قد اعترف ''أن أمريكا لن تقبل على رأس الأممالمتحدة إلا شخصا مواليا لها''، ويترك الحكم على مدلول العبارة لقائلها... أما الجامعة العربية فتصبح وكرا فقط لخدمة السياسات العامة للقوى العظمى في المنطقة.. وها هي تنتظر فقط قرارات مجلس الأمن كي تتحرك.. والحركة هنا، يقول بومعزة، لا تعني سوى التأييد ليس إلاّ. والانعكاس الأكبر حسب الأستاذ بومعزة سيكون إمكانية بداية أزمة اقتصادية خطيرة طويلة المدى لا تستفيد منها سوى قوى الضغط والكارتلات العالمية المسيطرة على تجارة الأسلحة والنفط والحديد والصلب وما إلى ذلك.. غير أن بومعزة يعود ويؤكد أن الحرب حتى وإن لم تعلن رسميا إلا أنها بدأت بالفعل إعلاميا منذ 11 سبتمبر 2001 على الأقل وذلك ما حدث بالضبط عام 1990 قبل وتحضيرا لحرب الخليج الثانية.. وحينها قال كولن باول: ''بإمكاننا أن نصنع بالأسلحة الجديدة، أي الإعلامية، ما كنا نتصور أنه لن يتحقق إلا بالأسلحة النووية''. وفي هذا الصدد، يعترف بومعزة بالتطور الحاصل في الإعلام العربي منذ عشرية على الأقل تجاه الرأي العام الداخلي، إلا أنه كما يعيبه لم يرق بعد إلى مستوى مواجهة التحديات المطروحة عليه من قبل الإعلام الغربي عموما والأمريكي خصوصا، أي أنه، يؤكد بومعزة، لم يبلغ بعد سن الرشد من حيث إدارة الصراع مع الآخر. ويعلق بشير بومعزة المعروف بحرية تفكيره والتزامه بقضايا وطنه وأمته بالقول: ''يمكن تحطيم الانتفاضة عسكريا وتكنولوجيا بالآلة الإسرائيلية المدعمة أمريكيا... إلا أن كل القوى لا تستطيع أن تملك ما تملكه الانتفاضة.. القنبلة البشرية التي إن لم تنفجر اليوم ستنفجر غدا وذلك ما تخشاه إسرائيل وترهبه أمريكا... وكل الشعب الفلسطيني والعراقي وغيره.. إن تواصل هذا العدوان سيتحول إلى قنابل ورؤوس نووية''... وتلك هي إرادة الشعوب التي تموت حتى تحيى.. فمن شدة حبها للحياة والحرية مستعدة للموت عدة مرات دفاعا عن وجودها وقيمها''. ويختم بومعزة بالتعليل أن ما يقوله ''ليس تعبيرا عن غضب أو تطرف كان، إنما عن واقعية وإدراك للرهانات''.. لأنني يقول: ''متفتح على كل إمكانية للحوار السياسي والعمل الدبلوماسي رغم كونهما غير كافيين'' ولكني في المقابل أيضا لا أقبل بالواقعية التي تعني الرضوخ والصمت والخوف حتى من الظل.. ''فمن دخل عنوة بيتك لينتهك حرمتك ويحاربك.. عليك بالرد عليه ومحاربته''، ولكن للأسف، يضيف بومعزة، ''أنه رغم مشروعية قضيتنا، مازلنا نرى بعض الزعماء والقادة في بلادنا العربية لا يذكرون اسم أمريكا أو الصهيونية إلا بصوت خافت خوفا من العواقب''.. لهؤلاء جميعا يقول بومعزة: ''إن كنتم تريدون البقاء على عروشكم، فأكثر حامٍ لكم ليس هو أمريكا إنما شعوبكم''.. و''عليكم بالاقتداء بالرئيس الفنزويلي شافيز (الذي تجاوز إرادة أمريكا فزار كوبا والعراق خارقا الخطر)، حيث أرادت أمريكا ومؤسساتها الانقلاب عليه لأنه قال لا.. لكن شعبه هو الذي أرجعه بقوة الضغط مرفوع الرأس'' والعبرة لمن يقتدي!!. وقبل أن نغادره، سألناه على عتبة الباب.. هل بالفعل أن رجلا كصدام حسين كان يمكن أن يفكر أصلا في الديمقراطية وفتح باب الحريات بالعراق، انطلاقا مما كان بومعزة قد قاله في وقت سابق''للحياة'' معه، حين أشار بأن الأحداث في المنطقة هي التي أخرت النظام العراقي وعرقلته عن الدخول في عهد الانفتاح والديمقراطية، أجابنا الرجل بدون تردد: ''ذلك ما أسرني عليه صدام حسين وتبادلنا فيه أطراف الحديث مرات ومرات.. وكنت حينها وجدت عند الرجل استعدادا وعدم ممانعة تدعيما لمسار العراق واندماجه أكثر في السياقات الجديدة للعلاقات الدولية''.. ويضيف بومعزة أن ''الاستفتاء القادم في العراق يمكن أن يفتح آفاقا جديدة من حيث تجديد النظام وفتحه على أبواب المعارضة الوطنية المخلصة ''كي تساهم بدورها في تعزيز وحدة العراق''... إن رجلا قويا كصدام بإمكانه إنجاز ذلك لا بسبب الضغوطات الخارجية خاصة الأمريكية منها لأن هذه الأخيرة في الواقع هي العدو الأول لديمقراطية أنظمة الشرق الأوسط، فإحلال الديمقراطية الحقيقية يعني سيادة الشعوب والتداول على السلطة ومن ثم عدم ''تمكنها من السيطرة على المنطقة''.. إن الاستحقاق الشعبي القادم بالعراق فرصة تاريخية للنظام هناك كي يقطع الحشيش تحت أرجل المتربصين بالمنطقة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان..''والواقع كان يؤكد بومعزة أن نظام بغداد بالحقيقة هو الوحيد الذي يسمح باستقلال ذاتي للأكراد في المنطقة من دون أن يترجم ذلك على أنه انفصال أو ضرب للوحدة الوطنية.. فالأكراد مثل إخوانهم العرب فرسان تحرير العراق وسيادته على أرضه منذ العشرينيات... وعليه يختم بومعزة بابتسامة أمل عريضة: ''المستقبل ممكن وبشكل مختلف''.