إن الوضعية التي نعيشها اليوم ما هي إلا حلقة من السلسلة التي بدأت بأزمة ,1962 لقد خرج الشعب الجزائري منهكا من حرب التحرير، فلم يقاوم بالقوة المطلوبة عملية إبعاده تدريجيا من النظر في شؤون البلاد، وهذه الأحداث كانت منتظرة، والخشية اليوم أن تدخل البلاد في دوامة من الصراع الذي لا يبقى ولا يذر إن لم نسارع في إيجاد حل عادل وعاجل، لأن هذه الأحداث قد دلت على أن الجزائر أصبحت بحاجة إلى تغيرات جذرية في الأفكار والأشخاص والممارسات لا سيما إشراك الشعب في إدارة شؤونه، ذلك أن أية حكومة لا تتعاون مع الشعب لا يمكن أن تحقق شيئا. ومادام مستقبل الجزائر بيد شبابها الذي لم تدنسه بعض الممارسات السياسية المتعفنة، فإننا نرى أن الذين تولوا مسؤوليات في السابق وأوصلوا البلاد إلى هذه الأزمة حتى وإن كانوا قد لعبوا دورا تاريخيا كبيرا في تحرير الجزائر، فإنهم قد شاخوا وتخلفوا عن ركب المجتمع الجزائري الذي يتغير ويتقدم ويطالب بالأفضل، لأن هناك أفكارا ولدت، وأن هناك نقاشات فتحت، وأن هناك من يطالب بحقوقه ويحاكم جيلا آخر، وهذا بلا شك سيجعل الأمور أفضل، أقول هذا لماذا؟ لأن الواجب الوطني يفرض علينا كمواطنين جزائريين مخلصين لهذا البلد الطاهر وهذا الشعب العريق والأصيل، المشاركة في البحث مع المخلصين عن شيء من المنطق في معالجة شؤوننا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعيدا عن الانحياز الأعمى والمغالطات الجدلية من أجل الوصول إلى حقيقة الداء واكتشاف الدواء الذي هو في رأينا ونظرنا الديموقراطية في معناها الصحيح تحقيقا لهدفين إثنين نحرص عليهما ونعمل على تحقيقها في أقرب وقت ممكن. الأول: أن تعرف الجزائر طريقها إلى علاج مشاكلها بجدية دون أن تترك نفسها لمزيد من التجارب العشوائية الفاشلة. الثاني: أن نجنب البلاد ونجنب الشعب الجزائري الذي تحمّل حتى الآن فوق طاقته من تراكم المشكلات وآثارها وحتى لا ينزلق إلى مخاطر أخرى قد تعطل مسيرته نحو المستقبل، فالوقت لا يزال متسعا لعملية إصلاح حقيقية قبل فوات الأوان. وإذا كنا نؤمن بأن الديمقراطية كفيلة بالخروج من المأزق، فإن علينا أن ندعو كل صاحب رأي أن يضع رأيه أمام الشعب، وعلينا جميعا أن نقبل بما يختاره الشعب. منطلقات المرحلة: 1 الثوابت الوطنية: نحن نرى أن الثوابت الوطنية، الإسلام واللغة العربية والأمازيغية والنظام الجمهوري، هي ركائز أساسية تبنى عليها وحدتنا الوطنية، وهي تمثل روح التشريع في الجزائر، وبالتالي فإن أي تشكيلة سياسية لا بد أن تبني مشروعها وبرنامجها على هذه الركائز الأساسية، وإذا خرجت عن هذا الإطار فإنها تكون قد خرجت من كيان الشعب الجزائري، شريطة أن لا تستعمل هذه الثوابت كشعارات لتحقيق أغراض حزبية ضيقة، بل إن هذه الثوابت تمثل الروح بالنسبة لأي مشروع تتبناه أية شريحة من شرائح المجتمع الجزائري، وهذا معناه أن كل مشروع يقام في الجزائر يجب أن يقام في إطار المبادئ الإسلامية، وهذا محافظة على أمانة أسلافنا التي وردت في بيان أول نوفمبر .1954 2 الدستور: يجب أن يكون الدستور الجزائري صادر عن إرادة الشعب، تعده لجنة مختصة يختارها الشعب ويثق فيها، وهذا معناه أن يكون الدستور صادرا عن إرادة الشعب لكي تلتزم به الحكومة وليس الحكومة هي التي تصدر الدستور لتفرضه على الشعب، لذا نرى أنه يجب تشكيل لجنة مختصة من أساتذة القانون العام وعلماء الشريعة وعلم النفس والاقتصاد والاجتماع لمراجعة واقتراح تعديل الدستور، وهذا التعديل يقوم على عدة ضمانات. إننا نعهد بالمهمة لمن هو أجدر بالقيام بها، وهم علماء الاختصاص، احتراما لعلمهم وتقديرا للعلم في ذاته على أن تمارس هذه اللجنة عملها بعيدا عن الوعود بالمناصب (يا سي حجار) لكي تجعل أمانة المواطن ومسؤولية العلم هذا الدستور الذي تقترحه هذه اللجنة يحظى برضى الشعب، كما أن الدستور في دولة ديمقراطية حقيقية يتضمن في نصوصه طريقة تعديل أي حكم من أحكامه بشرط أن تثبت التجربة ضرورة هذا التعديل، وأن تصدر نزولا عند رأي الأغلبية، وهذه الطريقة تجتمع لها عدة مزايا أهمها إتاحة الفرصة الكافية أمام التطبيق الفعلي لكل حكم من أحكامه وعدم التسرع في التشريع، إلى جانب التسليم للأغلبية بأنها صاحبة القرار (يا فخامة رئيس الجمهورية). ومع أهمية النص المراد تعديله يشترط الدستور الديمقراطي أغلبية تتناسب مع هذه الأهمية، فهناك نصوصا يحتاج تغيرها إلى الأغلبية المطلقة، كما أن هناك مواد أخرى يتم تعديلها بنسب تتفق مع أهمية التعديل. أقول هذا لماذا؟ لأن الدستور هو القانون الأساسي للدولة، وبصفته النظام الأساسي لها فهو يكتسي أهمية لأنه يمثل الإطار القانوني الذي يتحرك المجتمع الجزائري في نطاقه وتستمد أجهزة الدولة المختلفة أسس ونطاق عملها ودورها وتحتكم إليه كذلك، ومن ثم فإنه لم يكن مصادفة أن يصدر هذا النظام بعد قرن وثلاثين سنة من الاستعمار وبعد خمسين سنة من الاستقلال تقريبا، يعني بعد خمسين سنة من العمل والجهد الشاق، يقنن الكثير من القوانين منذ أن استقرت عليه حركة المجتمع الجزائري خلال تلك السنوات من ناحية، وليتجاوب مع تطلعات وطموحات المواطنين ومتطلبات المرحلة المقبلة للتنمية الوطنية من ناحية ثانية، وليجيب على كل التساؤلات بوضوح ودقة، وتجرد من ناحية ثالثة. إن نظرة سريعة لما احتواه النظام الأساسي للدولة من مبادئ وقواعد وأحكام، ولما يمثله من أسس في مختلف القوانين التي تصدر في الجزائر، كافية بأن يوفر أقصى حماية وضمانات للحفاظ على حرية الفرد وكرامته وحقوقه وعلى نحو يكرس حكم القانون على أرفع المستويات المعروفة دوليا، ولا غرار ذلك فقد احتل الإنسان الجزائري دوما مركز الاهتمام ومقدمة الأولويات، ومن ثم فإنه يكرس واقعا قائما عاشت وتعيش فيه الجزائر أكثر من أنه يوجد أوضاعا جديدة، ومع ذلك فإن النظام الأساسي للدولة يتمثل في الإطار القانوني المرجعي الذي يحكم عمل السلطات المختلفة ويفصل بينها وعلى أساسها وفي ظله تتحدد كل القوانين والخطوات والسياسات الأخرى (يا معالي رئيس الحكومة) ولذلك منذ أن تم إصداره أصبح مرجعا وأساسا لكل ما صدر بعده من قوانين، وهذا يعني أن هذا النظام جاء لتأكيد المبادئ التي وجهت سياسة الدولة في مختلف المجالات خلال الحقبة الماضية وتصميما على مواصلة الجهد من أجل بناء مستقبل أفضل يتميز بمزيد من المنجزات التي تعود بالخير على الوطن والمواطنين وتعزيزا للمكانة الدولية التي تحظى بها الجزائر ودورها في إرساء دعائم السلام والأمن والعدالة والتعاون بين مختلف الدول والشعوب. ومن جهة ثانية، فإن النظام الأساسي للدولة عادة يشكل مع الرؤية المستقبلية للاقتصاد جناحي الانطلاق إلى آفاق المستقبل، إذ أنهما يشكلان معا ليس فقط الرؤية الواضحة والمتكاملة لما ينبغي القيام به، ولكن أيضا الأساس الذي تعمل في نطاقه كل القوى والهيئات والأجهزة الوطنية والمواطنين كذلك، وصولا إلى الغايات الكبرى التي يحددها المسؤول والقاضي الأول في البلاد، كما لا ننسى بأن النظام الأساسي للدولة هو الذي يبلور أسس وقواعد حكم القانون ودولة المؤسسات ومبادئ العلاقات مع الدول الأخرى، وفي ضوء ذلك يتكامل بناء الوطن داخليا وخارجيا.