سألني أحد المولعين بلعبة كرة القدم إن كان مشروع الاحتراف سينجح يوما ما في الجزائر بالنظر إلى انطلاقته البطيئة، وصعوبة هضم الفاعلين في الساحة الكروية لفكرة الانتقال من نمط تسيير عشوائي وغير مراقب إلى آخر تتحكم فيه ميكانيزمات محددة، لا مجال فيه للعبث بالأموال والمناصب والتشريفات· وما ذهب إليه هذا الولوع بالجلد المنفوخ الجزائري يكاد يشكل السواد الأعظم من اهتمامات الوسط الكروي عندنا، لأنه ببساطة يجيب على سؤال واحد ووحيد وهو كيف يمكننا تغيير الذهنيات السائدة حاليا بأخرى جديدة، وهل تتحول فعلا أنديتنا إلى شركات اقتصادية قائمة بذاتها تطبق فيها آليات السوق على منوال الشركات والمؤسسات الأخرى، أم ستبقى رهينة ممارسات وسلوكات الفترة الماضية· ولئن كنا لا نستطيع أن نجيب على كل هذه الإستفهامات في الوقت الراهن كون تجربتنا الإحترافية ما تزال في المهد ولم تصلها بعد رياح التغيير الحقيقية التي هبت منذ عشريات كاملة على بقية بلدان العالم، فإن ثمة بعض المحطات علينا أن نقف عندها ونحن نتحدث عن سيناريوهات حالية ومستقبلية يريد بعض رؤساء أنديتنا حاليا إدماجها في مفاهيم ومقاييس وذهنيات الإحتراف، وأبرزها تحديدا إمكانية بقائهم على رأس هذه الأندية والتصرف في الأموال التي تقدمها هذه الشركات ورجال الأعمال وتدخل خزائنهم· ولا يجب في كل الأحوال التوجه باللوم أو الإتهام لرؤساء أنديتنا طالما وأنهم لعبوا الكرة، وينعتون اليوم بأنهم أبناء الأندية الحقيقيين الذين كسبوا الشرعية بطريقة عفوية وآلية، ولا يحق لأي واحد أن يطالب برحيلهم حتى في حالة تطبيق الاحتراف وتغيير القوانين التي تسير الأندية. فالمسألة في اعتقادهم لا تحتاج إلى هذا الزخم الكبير من التساؤلات والجدل حول مصيرهم بعد سنوات عندما تتبلور فكرة الإحتراف وتشدد الرقابة على الأموال التي كانوا إلى وقت قريب يتفننون في صرفها دون حسيب ولا رقيب، بل أن ما يشغل بالهم اليوم هو البحث عن أسباب بقائهم لسنوات أخرى كرؤساء فوق العادة· وحتى إن سلمنا بالقول بأن الحياة الإحترافية في البيت الكروي الجزائري ستحتاج إلى وقت طويل لتصبح مشهدا مؤثرا في دواليب تسيير كرتنا، فإن مراحل الوصول إلى هذا المشهد تتطلب مقدارا معينا من التغييرات ليس فقط على مستوى الأشخاص ولكن أيضا ما تعلق بدفتر الشروط والقوانين التي تتحكم في العملية الكروية الاحترافية، ومعنى ذلك أن الرئيس الذي يحبذ البقاء على رأس ناديه عليه أن يجلب له الأموال، ولا ينتظر قدومها، وأن يتعلم كذلك كيف يتعاطى مع حسابات البنوك والضرائب وانتداب اللاعبين وبيعهم، وفي الأخير عليه أن تتحول معاملاته وسلوكاته وخطاباته المخدرة التي استطاع بها المكوث على رأس النادي لعشريات كاملة دون أن يقدر أحد على زعزعته أو النيل منه، إلى ممارسات شفافة ومكشوفة لا مجال فيها لفبركة الجمعيات العامة التي أبقته دائما رئيسا فوق العادة· وتبقى صورة ذلك الرئيس الذي وجد نفسه خارج الميدان على التماس أبلغ رسالة تكون قد وصلت إلى رؤساء آخرين ما يزالون على رأس نواديهم، يديرونها بأساليب قديمة ويحاولون عبثا إدخال الاحتراف إلى بيوتهم بطريقة سرية، حتى لا تنكشف أهدافهم العفنة التي يسعون إلى تحقيقها· ونختم كلامنا بنقل صورة كاريكاتورية لرئيس فريق صرح منذ أيام بأنه نفض يديه من رجال أعمال وأغنياء مدينته، وهو اليوم بصدد طلب مساعدة الفقراء لتوفير المال اللازم، أما مساهمته هو شخصيا فأجّلها ولم يشر إليها على نقيض المثل الشعبي الذي يقول ''المومن يبدا بنفسه''!