في الوقت الذي يزداد فيه الحديث عن علاقة المواطن بمنتخبيه في المجالس الشعبية، ومدى استجابة هؤلاء لمطالبه ومشاكله وهمومه، تتواصل القبضة الحديدية بين الطرفين، إذ لا تخلو شكاوى المواطنين من التُهم الموجهة لرئيس البلدية وحاشيته، ومن عبارة باتت متداولة بكثيرة وهي صعوبة الإتصال بهم أو بعبارة أخرى عدم استقبالهم، كما لا يتردد المنتخبون في نفي كل التهم الموجهة إليهم، مؤكدين أنهم دائمو الاستماع إلى انشغالات المواطن. ولم تكن الزيارة التي قمنا بها إلى بلدية باش جراح لتنقص من حدة التوتر بين الطرفين، بدليل أن تواجدنا يوم أمس، صادف يوم الاستقبال، والسيناريو نفسه حدث، حيث أبدى لنا بعض المواطنين استياءهم من طريقة تعامل رئيس البلدية معهم عندما يتعلق الأمر بطرح مشاكلهم على مكتبه أو رؤيته، في حين كان موقف ''المير'' مخالف تماما لما ذهب إليه هؤلاء المواطنون. تُهم المواطنين... عندما صعدنا إلى القاعة المخصصة للإنتظار، وجدنا حوالي عشرة مواطنين في انتظار دورهم لرؤية ''المير'' لطرح انشغالاتهم، ولم يكن الحضور يعلم بأننا جئنا خصيصا من أجل الوقوف على مدى سلاسة العلاقة بينهم وبين البلدية، وهو ما جعل بعضهم يرمقنا بنظرات لم نستطع فك رموزها، وتبادلنا النظرات مع أولئك المواطنين، ثم هممنا بطرح سؤال مقتضب وسريع: هل أنتم في انتظار رؤية ''المير''؟ ولم نتردد في كشف المهمة التي قادتنا إليهم، لكن عندما علموا بهويتنا بدأوا مباشرة في سرد ما يعانونه في قاعة الانتظار. الهادي، في الأربعين من عمره تقريبا، يبدو القلق على محياه، باشرنا بالقول ''منذ الساعة التاسعة صباحا وأنا أنتظر دوري لكي أحظى باستقبال ''المير''، لكن لا جدوى، فالساعة الآن تشير إلى الحادية عشر و20 دقيقة، ولا أدري هل أستطيع تحقيق أمنيتي وهدفي، وهو طرح قضيتي على رئيس البلدية''. مشكلة الهادي وفق السيناريو الذي سرده علينا، تكمن في حالة الطرد من مسكنه الذي يقطن فيه مع عائلته منذ سنة ,1954 ومنذ أن صدر حكم الطرد وهو يتردد على البلدية لإيجاد حل لمشكلته، فهو ببساطة -كما قال- ''أريد سكنا فقط''. أما المواطن عثمان تركي، الذي بدا لنا كثير الحركة في قاعة الانتظار، فهو كذلك يسعى منذ سنين إلى رؤية رئيس البلدية لطرح مشاكله، لكن دون جدوى. ''قصدت البلدية عدة مرات لكنني لم أجد ''المير''، واليوم -كما تراني- أنتظر منذ الساعة التاسعة صباحا ولست أدري هل أتمكن من الوصول إلى مكتبه أم لا''. قد تكون الصدفة، وقد يكون الموضوع الرئيسي لتوافد المواطنين ببلدية باش جراح يوم الاستقبال، هو أزمة السكن. وفي كل الأحوال، فإن مشكلة عثمان تتعلق كذلك بالسكن، ''أزمة السكن شكلت معاناتي الحقيقة، إذ سبق لوالدي أن تقدم بملف سنة 1972 ولم يتحصل على أي رد، والمصير نفسه آل إليه طلبي الذي تقدمت به للبلدية سنة ,1997 حيث ما تزال مشكلتي تراوح مكانها، وخلال كل هذه الفترة لم أر أبدا ''المير'' رغم محاولاتي العديدة، فماعدا أيام الانتخابات التي يتم استدعائي فيها إلى البلدية لتجديد ملفي، فإن وضعيتي بقيت تراوح مكانها''، كما علمنا من هذا المواطن كذلك أن مسكنه الحالي تأثر من زلزال 2003 وصنّف في الدرجة الحمراء. ... وتبريرات ''المير'' بينما كنا منشغلين بشكاوى هؤلاء المواطنين العشرة الذين وجدناهم بقاعة الإنتظار، أشار إليّ أحد موظفي البلدية أن ''المير'' يريد التحدث معنا، دخلنا إلى مكتبه، وشرحنا لرئيس البلدية، الذي علمنا فيما بعد أنه يدعى بوزيد صحراوي، الهدف من زيارتنا لبلدية باش جراح، وعلى الفور بادرنا برأيه في الموضوع ''صدقوني إن قلت لكم إن مشكلة البلدية الأولى في المدة الأخيرة كانت مع السوق الفوضوي وقبلها كنا نستقبل المواطنين بصفة رسمية وغير رسمية خارج المقر، حيث أتحدث أنا شخصيا مع المواطنين في الطرقات والفضاءات الخارجية''، واختزل لنا رئيس البلدية المشاكل التي تتمحور حولها شكاوى المواطنين في نقطتين هما السكن والشغل، حيث أكد لنا أن فترة الثلاث سنوات الأخيرة وظفت البلدية 100 عامل في مختلف المهن. ولتأكيد حسن تعامله مع المواطنين، أضاف صحراوي ''أقول إنه منذ 2010 اهتممنا كثيرا باستقبال المواطنين بهدف تنظيم السوق الجواري الذي أنشئ في أعقاب القضاء على السوق الفوضوي''. كما يرى رئيس بلدية باش جراح أن هذه الأخيرة يقطن بها حوالي 100 ألف نسمة والاستقبالات يتكفل بها الرئيس ونوابه، وعادة عندما لا يجد المواطن حلا لمشكلته مع النواب يطلب مقابلة رئيس البلدية، ''من حق المواطن أن يدافع عن حقه، لكن إمكانيات البلدية وخاصة ميزانيتها السنوية التي تتعدى 34 مليار سنتيم، غير كافية لتلبية كل طلبات المواطنين خاصة فيما يتعلق بالشباب والمشاريع التنموية، وهنا أشير إلى أن البلدية تستفيد من الإعانات التي تصلها من الولاية''. ونحن نهمّ بمغادرة مكتب رئيس البلدية والعودة إلى حيث كنا مع المواطنين بقاعة الانتظار، لم نستطع مواصلة حديثنا معهم لسبب بسيط، وهو أن كل من بقي في القاعة تم استدعاؤه للدخول عند ''المير''، ولسنا ندري هل أن وقت الاستقبال شارف على النهاية قبيل دقائق من منتصف النهار هو الذي جعل ''المير'' يتكفل ويتدارس مختلف قضايا المواطنين واستقبالهم دفعة واحدة أو أنه أردا أن يؤكد لنا بسلوكه أن مكتبه يبقى دائما مفتوحا في وجه المواطنين وشكاويهم.