إذا سلّمنا بالقول بأن لعبة كرة القدم هي لغة عالمية يفهمها الجميع، فإن التعاطي معها يختلف من بلد إلى آخر تبعا للتقاليد التي تتوارثها أجيال الممارسين، وهو ما خلق نوعا من الفروق والاختلافات في تطورها وماهيتها. فلا عجب إن وجدنا اليوم أن تقاليد الكرة الإسبانية مثلا تختلف في جوهرها مع ما يسود في بلدان أخرى، ويبقى جلوس رئيسي الفريقين المتنافسين جنبا إلى جنب خلال اللقاءات طبعة إسبانية خالصة لا نجدها في أي فضاء كروي في العالم، حيث يتابع الرئيسان عروض فريقيهما ويتبادلان الأحاديث غير مبالين بالحساسية الموجودة بينهما خاصة بالنسبة للفرق العريقة التي تلعب على الألقاب على منوال أندية مثل برشلونة، ريال مدريد وبدرجة أقل إشبيلية وفالنسيا. وإذا عرجنا على الكرة الإنجليزية فنجد أن خصوصياتها ومميزاتها تكاد تكون فريدة من نوعها أوروبيا وعالميا، إذ أنها الوحيدة التي امتنعت عن تزويد ملاعبها بسياج حول ميادين اللعب وأبقت على تقاليدها رغم موجة الهوليغانز التي اجتاحت العالم، وكانت إنجلترا أحد البلدان التي شهدت أحداثا مؤلمة لمشجعيها في الثمانينيات والتسعينيات. كما أن لقاءات الكأس في إنجلترا التي تنتهي بالتعادل لا يلجأ فيها إلى ضربات الجزاء لتعيين المتأهل خلال اللقاء الأول، بل يتم إعادة المواجهة من جديد قبل الفصل فيها بضربات الجزاء. وخلافا لما يجري في مدارس كروية أخرى، فإن مكانة المدرب في الوسط الكروي الإنجليزي مميزة، حيث تسند إليه لوحده مهمة استقدام اللاعبين والتخلص منهم، ولا يسمح لرئيس الفريق أو أي طرف آخر أن يتدخل في شؤونه، وعندما يعجز أي مدرب عن الوصول بالفريق إلى بر الأمان تتم إقالته في شفافية تامة. وما يحدث في إنجلترا يختلف كثيرا عما هو عليه في إيطاليا، حيث يلعب رئيس الفريق دورا هاما في استقدام اللاعبين واختيارهم، في حين تبقى مساهمة المدرب جد ضيقة، ويحكى أن رئيس أسي ميلانو برلسكوني (رئيس الوزراء الإيطالي حاليا) أقدم على جلب قلب الهجوم الفرنسي جون بيار بابان إلى جمعية ميلانو دون علم مدربه، مما أثار نوعا من الغضب لدى هذا الأخير، والقاعدة تنطبق على كل الأندية الإيطالية. أما الكرة الألمانية فقد حافظت على بعض التقاليد منذ سنوات طويلة، منها أن اللاعب الذي يمنح له شارة الفريق يكون الأكبر سنا على الإطلاق، وبالتالي فإن ما يثار داخل الأندية الأخرى غير الألمانية فيما يتعلق بهذه النقطة لا يطرح إشكالا هناك، وبالإضافة إلى هذه الميزة، فإن الكرة الألمانية تنفرد بكونها الوحيدة التي يتحلى لاعبوها بمبدأ التفوق والإصرار على تحقيق الفوز وحضورها الدائم في نهائيات كأس العالم ولعبها الأدوار الأولى في كل الدورات بغض النظر عن المستوى الذي تقدمه. وفي خضم هذا الكم الهائل من التقاليد العديدة والمتنوعة التي تطبع تعامل البلدان مع كرة القدم، ما موقع كرتنا، وهل تملك تقاليد تميزها عن نظيراتها في العالم، وفي هذا المجال لا نضيف شيئا إن قلنا أن الإختلاف الوحيد الذي يجعل كرتنا تحتفظ ولعشريات من الزمن بخصوصياتها وعوامل تدهورها وسقوطها الحر، يكمن أساسا في غياب الصرامة وانتشار الرشوة والتلاعب بنتائج المقابلات ومشاعر جماهيرها، وتذبذب نتائجها، وانعدام الثقافة الكروية عند بعض مسؤوليها، وافتقارها إلى أسباب النجاح، من منهجية التسيير وإمكانات التدريب والممارسة، وهي مميزات جعلتها تنفرد هي الأخرى بطابعها الخاص الذي لا نكاد نجد له أثرا في كل بلدان العالم.