قضت ثورة الشباب الشعبية على كافة إصلاحات مبارك التي جاءت متأخرة، حيث بددت نيران الثورة على خطط نائب الرئيس عمر سليمان وحكومة أحمد شفيق المولودة من ركام الرماد دون تحقيق أية نتيجة مع إصرار شعبي على مغادرة مبارك للسلطة، مع رفض الأخير مغادرة بلده كهارب مثل زين العابدين بن علي الا ان الكلمة الأخيرة عادت إلى الشعب الذي أراد الحياة فانتصر .. ثورة شبابية حالمة حققت التغيير ثورة شبابية حالمة بالتغيير انطلقت في الخامس والعشرين من يناير الماضي لم تتح لرئيس الجمهورية الثالث محمد حسني مبارك بخروج يليق بأعوام حكمه الثلاثين ولا بسجله الوطني الحافل ما قبل الرئاسة، بل كان أشبه إلى حد كبير ب''هروب'' رئيس تونس المخلوع زين العابدين والفرق في الوجهة مابين الرحلات الداخلية والدولية. عشرة أيام فقط كان عمر الحكومة المصرية الناهضة من تحت رماد الثورة التي عصفت اليوم الحادي عشر من فيفري برئيس الجمهورية محمد حسني مبارك المغادر ''سياحيا'' إلى شرم الشيخ مغادرا قصر العروبة.ورغم سعي مبارك الذي يعتبره المراقبون متأخرا في إجراء إصلاحات على جبهة الحكومة تارة وترميمات محدودة في ''أرقام'' الدستور تارة أخرى، إضافة إلى تعيين نائب للرئيس في مقعد كان مبارك هو آخر من وصله إبان حكم أنور السادات قبل أكثر من ثلاثين عاما.فحكومة العسكري الآخر أحمد شفيق المغادرة مع إعلان حسني مبارك تخليه عن السلطة، لم تنعم برغيد أرض الكنانة حيث تشكلت في الحادي والثلاثين من جانفي بعد زلزال الثورة الشعبية التي حولتها رمادا، ولم تشفع كذلك كافة الإصلاحات التي سعى بها نائب الرئيس المعين عمر سليمان منذ الثلاثين من الشهر الماضي وفتحه أبواب الحوار مع كافة الأحزاب السياسية.ربما كان غائبا عن نائب الرئيس سليمان أن جموع الشباب ''المستقلين'' وفق التسميات السياسية هم من حرك عجلة الثورة والمطالبة بالتغيير التي كانت عصية على النخب السياسية والأحزاب في بلد يعده المراقبون ب''أساس الشرق الأوسط''، فلم يكن لدى شباب التقنية أي تطلعات للسلطة ولا حتى التشريع.شهر فيفري يدخل التاريخ المصري من جديد، وستعيد كتب التاريخ المدرسية طباعته لتعلن أن للشعب كلمته التي أوقدت نار التغيير وبخرت ترسبات الحكام الخارقين للعادة الزمنية العالمية، فبعد فيفري 1922 مع استقلالية مصر بيد سعد زغلول التي وحدت المصريين لاستقلالهم، عاد الشهر ذاته ليكتب تاريخا وفصلا جديدا في تاريخ الجمهورية العربية الأكبر ذات الثقل السياسي شرق أوسطيا.الشعب المصري الذي بدأ يلملم بقايا مقامه في ميدان ''التحرير'' الذي يطالب فيه الشعب بتغيير اسمه إلى ميدان ''25يناير'' يثق كثيرا في الجيش الذي أوكلت لمجلسه العسكري الأعلى الإشراف على الحكومة الانتقالية حتى انتخابات سبتمبر المقبلة.وينتظر ''آل مصر'' بكافة أطيافهم وتعدديتهم الحزبية أن يحل المجلس العسكري مجلسي الشورى والشعب، الذي كانت نتائج انتخابات الأخير في كانون ديسمبر من العام المنصرم علامة الإثارة وهو المجلس الذي لم يكن يحوي أيا من أحزاب المعارضة كنقطة خلافية على مستوى برلمانات العالم.مبارك قرر التنحي بعد إلقائه ثلاث خطابات لم تغير موقف المحتجين والمتظاهرين ضد نظامه، بل كانت كالزيت على النار ولم يكف فيها المحتجون عن المطالبة برحيله بعد أن كانت شعاراتهم بتغيير النظام ما لبثت أن تحولت إلى تخلي مبارك عن السلطة. ورغم أن التقارير الصحفية توقعت مغادرة مبارك إلى دولة خليجية كانت على الأرجح العاصمة الإمارتية ''أبو ظبي'' كما غادر تونس رئيسها المخلوع زين العابدين بن علي إلى مدينة جدة السعودية، إلا أن الخطاب ''المباركي'' الأخير كان يحمل دلالة على التشبث بمصر دون خروج مذل كما في المثال الأول، بل شدد خلال خطابه إلى أن '' مصر هي أرض الحياة والممات''.فمبارك دخل التاريخ عبر أوجه عدة فهو أول رئيس جمهوري لمصر يثور عليه شعبه طالبين التغيير، منذ تحول الدولة المصرية إلى الجمهورية في العام 1952 بانقلاب أسلافه من الضباط الأحرار بزعامة محمد نجيب ورفاقه جمال عبدالناصر وأنور السادات.المصريون يقفون اليوم على عتبة تاريخية جديدة بعد الأيام الثمانية عشر التي قضت على كافة ألوان الحياة العامة بمصر ونفرت فيها ثورتهم السياح والزوار والطلبة من الجنسيات الأخرى مغادرين إلى بلدانهم. يوم ميلاد جديد أكد معظم المصريين وأغلب الصحف المصرية أن ثورة شباب 25 يناير بشهدائها ومناضليها فتحت صفحة تاريخية جديدة نابضة بالتحدي لكل عقبات التغيير، وبالأمل في غدٍ مشرق يستعيد الوجه الحقيقي لمصر الرائدة في منطقتها، ويعيد للمواطن حريته وكرامته وتطلعاته إلى العدالة الاجتماعية والمشاركة في ثمار التنمية التي دفع ثمنها بكده وعرقه ليغترف منها القلة من الأصهار والمحاسيب والمنتفعين المليارات، تاركين الغالبية الساحقة من الشعب تعاني الفقر واليأس والإحباط. وقال الكاتب محمد أشرف بصحيفة اليوم السابع: لم أرَ تلك الفرحة في عيون المصريين منذ زمن بعيد، حتى في أوقات فوز المنتخب المصري ببطولة أفريقيا أو أي بطولة دولية، لأن الشعب لم يجتمع هكذا على لعبة كرة القدم، لكنه أجمع على شيء واحد فقط وهو ''رحيل مبارك بعد 30 عاماً في الحكم''. واعتبر الكاتب عادل السنهوري في صحيفة اليوم السابع أن اليوم هو يوم ميلاد لمصر وميلادنا جميعًا، وقال: اليوم هو يوم تاريخ شبابك يا مصر وعافيتك.. يوم عزتك وكرامتك.. يوم شعبك وجيشك.. يوم استعادة فرحتك من رحم أحزانك. كما عبّر الكاتب هيثم عبد الحميد تفاؤله بمستقبل مصر، وقال: نعم متفائل لأبعد الحدود.. نعم أرى القادم أفضل، وبأيدينا نحن وليس بأيدي من يحكموننا. أرى الأمل في الغد؛ لأني كنت في أشد اليأس في أن يتحرك هذا الشعب، كنت في أشد اليأس، ولا أعتقد أن هذا الشعب سيكسر قيوده، ويزلزل العالم كله بثورة عظيمة وإرادة من فولاذ. فيما لفت الكاتب الصحفي دندراوي الهواري في مقاله بصحيفة اليوم السابع إلى أن الجماهير تخشى وسط نشوة الفرح، أن يتناحر زملاء الكفاح، ويتحولون إلى فرق كل منها يعمل لنفسه ومكاسبه الخاصة، وينتشر بينهم سرطان الأنانية، وبدلا من التناغم والانصهار في بوتقة فريق واحد لتحقيق البطولات، يتراجع الأداء ويلاحقه الهبوط إلى دوري الظلام وليس المظاليم. قال الكاتب الشاب محمود جاد الآن فقط ترقد أروح شهداء 25 يناير وما بعده بسلام، الآن فقط استقرت أبدان ضحايا التعذيب في عهد الاستبداد، الآن فقط بإمكانك الرهان على هذا الشعب الذي أثبت للعالم بأكمله أنه لا يزال قادراً على الحياة بشرف وكرامة.. وبإمكانه بلا أدنى شك أن يرسم ملامح مستقبله دون إملاءات ودون وصاية. محاكمة قاتلي شهداء الثورة أهم مطلب للثوار كما وصفت مصادر مصرية استهداف أبناء الشعب المصري بالإيذاء والقتل بطريقة منهجية منظمة علي نطاق واسع مما أسقط منهم عشرات القتلى ومئات الجرحى , مطالبًة بمحاكمة من قتلوا أبناء مصر، مؤكدا أن القانون الدولي لن يرحمهم حتى وإن فروا من مصر، وقال: إن مصر تنتقل إلى مرحلة جديدة تسود فيها مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وثقافة عدم الإفلات من العقاب , وأن استخدام أسلوب العنف والتنكيل لقمع المعارضين أو المتظاهرين يعكس سياسة بائنة ولت من زمن , ليس فقط في الدول المتقدمة , بل أيضًا في دول العالم الثالث . كما طالبت بأن تراجع وبصفة فورية سياسة وزارة الداخلية وتصفية قيادات وقعت في أخطاء وارتكبت جرائم تستحق عليها المحاكمة، وقالت: إن ''استعادة الثقة في أجهزة الأمن ووزارة الداخلية لا تتحقق بجولات لوزير الداخلية الجديد ومحاولة طمأنة الجمهور ومهما صدقت النوايا، فليس هذا هو الطريق لإصلاح جهاز الأمن، مشددة على أهمية اتباع سياسة جديدة تنفذها قيادات جديدة في المواقع المختلفة مع فتح ملفات الشكاوي لدي الوزارة ضد ضباط ارتكبوا تجاوزات باستخدام وظيفتهم في ترويع وتهديد الآمنين من المواطنين والاعتداء عليهم. جيل جديد ينفتح على العالم وفي سياق متصل أشاد الخبراء بالدور الذي لعبه الشباب في هذه الثورة التي حققت اكبر أهدافها بسقوط نظام حسني مبارك فأشاد الدكتور عبد المنعم سعيد بقدرة ما سماه ''جيل وائل غنيم'' على التلاحم مع العالم الخارجي وقال: لم نكسب جيلا جديدًا فقط , ولكن مصر كسبت أيضا معها معرفة التكنولوجيات الجديدة المعاصرة , ولم يضع عبثًا الإمكانيات التي وفرتها الدولة لكي يدخل 22 مليون شاب على شبكة الإنترنت , يصنعون الصحف الإلكترونية التي غيرت من الساحة الإعلامية في مصر , وشكلت أكثر من ثلث عدد المدونين العرب . ولكن الأهم من ذلك هو الحد الذي أخذ به هذا الجيل الصناعة والتجارة والخدمات في مصر ونقلها إلي آفاق عليا أعطتها فرصة في التجارة العالمية . وأكثر من ذلك فإن جيل وائل غنيم هو في حقيقته جيل اقتصاد السوق والشركات متعددة الجنسية , وكلاهما كان مكروهًا في مصر , وكانت هناك حملات مستمرة على هذا الاقتصاد وشركاته العالمية باعتبارها مضادة للأغلبية من الشعب , وسبيلاً إلي السيطرة العالمية على البلاد بوسائل أخرى. فيما أشاد عدد آخر من المحللين السياسيين بشباب الثورة أمثال وائل غنيم، قائلين هذه الحركة الفوارة , هي في ظاهرها احتجاج عنيف علي مبارك , ولكنها في أعماقها دليل عملي على التحولات الإيجابية والتدفق الهائل للقوي الحية التي ولدت في عهده , ثم خرجت تطالب بحقها في الخروج من جلباب الأب , ومن بيته , ومن وصايته , هذه القوى الشبابية الهائلة خرجت تعلن عن استقلالها وتؤكد وجودها , وتثبت وعيها , وتعلن قدرتها علي تحمل المسؤولية. فلا شك أن يوم 25 يناير لن يغير فقط وجه مصر او نظرة العالم إلي الشباب المصري لكنه أيضاً سيغير نظرة عامة في الإنترنت عامة والمواقع الاجتماعية ، فقد كانت هذه المواقع بمثابة الخلية التي تجمع فيها آلاف المنادين بالإصلاح والتغيير والموت دون هذه المطالب ، وكانت الثورة المصرية بدأت بشرارة أطلقها موقع ''الفيس بوك '' . مظاهرة قادت ثورة ثم تلتها حركات كثيرة لعل أكثرها شهرة كانت حركة كلنا ''خالد سعيد'' ، تفجرت الثورة المصرية التي وصفت بأنها الأولى من نوعها في تاريخ الشعب المصري.ذلك لأان الموعد الذي تحدد لبدء الشرارة الأولي كان عيد الشرطة في 25 يناير الماضي، كان نقطة البدء لمظاهرة شبابية ستجعل العالم كله يرصدها عن قرب، ويعيد حساباته وحسب صحيفة ''الشرق الأوسط ''فإن إحصاءات رسمية تشير إلى أن 23 مليون مصري، يدخلون بشكل منتظم أو شبه منتظم على شبكة الإنترنت، مما يعني أن ربع سكان البلاد يتواصلون افتراضيا بشكل دائم ويتبادلون المعلومات والتعليقات. لكن كيف تمكن هؤلاء الشباب من التشبيك بعباراتهم القصيرة المختزلة، ولغتهم التي غالبا ما تبقى في إطار العامية؟ الشرارة التونسية وقد كان للثورة التونسية فضل كبير في إشعال حماس الشباب المصري فقد رأوا في النموذج التونسي حلم وأمل فتواصلو مع التونسيين الذين سبقوهم إلى التظاهر،وكان بعضهم يهنئهم بعبارت من قبيل '' انتم السابقون ونحن اللاحقون '' وكذلك غيرهم من العرب الذين يقاسمونه المعاناة. وبمجرد أن عرف الشباب وقد أثارت ظاهرة تحضير الثورات الشبابية على الإنترنت، فضول الصحف الغربية التي استنطقت محلليها الاجتماعيين والنفسيين كما المؤرخين لفهم ما يدور في العالم العربي. وهنا شرحت كاترين لاكور أستول، وهي متخصصة في التاريخ الحديث، لصحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، في معرض محاولتها تفسير هذه الظاهرة العربية، على ضوء ما حدث في ثورات أخرى في العالم قبل زمن الإنترنت. وقالت أستول إنه بالتأكيد ثمة عوامل عديدة تتفاعل لتجعل شعبا ما يصل إلى حد الانفجار. والناس في مثل هذه الحالات يتواصلون لينظموا تفكيرهم ثم ليدبروا خطواتهم التنفيذية، وما كان يفعله الثوار الأوروبيون أثناء الحربين العالميتين هو توثيق عرى التواصل فيما بينهم عبر العائلة والمعارف والأصدقاء حتى تكبر الحلقة، وهو ما يستعيض عنه الشبان العرب اليوم بالإنترنت.