ما تزال موسيقى ''الهول'' حاضرة في ذاكرة ووجدان الإنسان التندوفي، فهي تراث يعبّر عن طبيعة الصحراء التي يعيش فيها الرجل الصحراوي، هكذا تعبّر السيدة خيرة بلكحل، رئيسة جمعية الرقص الشعبي بتندوف، عن هذا الطابع الغنائي المنتشر عبر صحراء شمال إفريقيا، حيث تتحدث بفخر عن هذا النوع الغنائي الشعبي، مؤكدة أنها ستبذل قصارى جهدها للحفاظ عن الموروث الشعبي وجعله في متناول الباحثين والمهتمين بالتراث اللامادي. يعتبر طابع ''الهول'' من أعرق الطبوع الموسيقية بولاية تندوف، وبالرغم من ذلك، ما يزال مجهولا لدى الكثيرين في الجزائر؟ يشكل الطابع الغنائي المعروف باسم ''الهول'' نمطا إبداعيا تراثيا في الثقافة الشعبية لولاية تندوف، وارتبط هذا النوع الغنائي بفئة شعبية تحترف هذا الفن وتقتات منه، ويمثل ''الهول'' عند الحسانيين الذين ينطقون اللهجة الحسانية بالمنطقة نزعة تصوفية، إلى جانب ذلك يعتبر حضوره أساسيا في إحياء الأعياد والأفراح الاجتماعية والدينية والوطنية، كما أن الأغنية الشعبية الحسانية بحكم بنيتها الإيقاعية والنغمية هي عبارة عن ترانيم وأصوات منظمة تنتج عن استعمال مجموعة من الآلات الموسيقية على رأسها آلة الطبل التقليدية المصنوعة من جلد الإبل، والشيء المميز في هذا النوع الموسيقى أنها تعد من أهم الطبوع الغنائية بالمنطقة، وتظل موسيقى ''الهول'' حاضرة باستمرار في ذاكرة ووجدان الرجل التندوفي بل وتعد مصاحبة له باستمرار، ويتجسد ذلك في كونها ونيسته في كل معاناته. وكان سكان المنطقة السابقون مولعون بالغناء والطرب، حيث كانوا يعقدون له مجالس وندوات يسمعون فيها أجمل القصائد في الفخر والغزل ومدح الرسول الكريم. ماهي الطقوس الغنائية التي يعتمد عليها طابع ''الهول''؟ يقوم الطابع الغنائي ''الهول'' على طقوس وممارسات خاصة تظل في طبيعتها جانبا من هوية المجتمع الحساني بتندوف، حيث تبدأ السهرة الغنائية عادة بالعزف على مقام يسمى ''كر'' المخصص لذكر ومدح الرسول عليه السلام، وذلك قبل الانتقال لعزف مقامات الأخرى المسماة ''أظوهرت الهول'' التي تتناول بدورها مواضيع أخرى كالفخر والحماسة، كما تقوم فئة أخرى بأداء عروض وتمثيليات قصيرة مستمدة من التراث الشعبي وتجسد خلالها بعض المظاهر الاجتماعية السائدة بالمنطقة، كما تعزف الفرقة المراحل الأخيرة لسهرة مقام يسمى ''لبتيت''، وهو آخر بحور الشعر الشعبي الحساني. وعندما يسمع المتفرجون والحضور هذا المقام يستعدون للانصراف لأنه يعبّر عن نهاية السهرة. وماذا عن الآلات التي يعتمد عليها في العزف؟ نعتمد في العزف على مجموعة من الآلات الإيقاعية والوترية والهوائية التي أبدعوا وتفننوا في صنعها اعتمادا على مواد خام مستمدة من البيئة الصحراوية كجلد الأغنام ووبر الإبل وسعف النخيل والتراب، غير أنه في السنوات الأخيرة أدخلت جمعيتنا بعض اللمسات العصرية عن نظيرتها الكلاسيكية كاستعمال القيثارة الكهربائية... وغيرها من الآلات الحديثة، لكن هذا لا يعني أننا نعمل على طمس هويتنا أو أصالتنا بل الجمعية ''نايلية'' تعمل جاهدة على إحياء التراث والمحافظة على ما تركه الأسلاف وجعله في متناول الباحثين والمهتمين بالثرات المادي والموروث الشعبي. هل تقتصر موسيقى ''الهول'' على العزف النسوي فقط كنظيرتها الأمزاد الترية؟ لا، هي عكس ذلك، موسيقى ''الهول'' تعتمد على فرقة غنائية متكونة من جنس الرجال والنساء على حد سواء، غير أن أداء المقطوعات الغنائية يقتصر فقط على النسوة، في حين العزف على الآلات يكون من أداء الرجل، وهناك فئة أخرى من الفرقة تقوم على إحياء طقوس الرقص الشعبي تجتمع فيها كل من الجنسين وهدفهم من الرقص الجماعي خلق لوحة فنية متناسقة الألوان. وفيما يخص المرأة التندوفية، فهي ترتدي الزي التقليدي الصحراوي المزخرف باللون الأسود والأبيض أثناء أدائها طابع ''الهول''، في حين الرجل يرتدي بذلته الصحراوية ذات اللون الأزرق، وكل ذلك للحفاظ على الموروث الثقافي للمنطقة. جمعية ''نايلية للرقص والثقافة'' تعمل على الحفاظ على التراث اللامادي بتندوف، ماهي أهم المشاركات التي قمتم بها؟ مثلنا الجزائر أحسن تمثيل في أبرز المحافل الدولية والوطنية، كما أننا تحصلنا على الكثير من الجوائز الشرفية الدالة على تفانينا في العطاء، ومن الدول التي شاركنا فيها فرنسا، وبأسابيع الثقافية بإيطاليا وباليونان وبموريتانيا وباليونان، وعن آخر مشاركتنا كانت بالمهرجان الثقافي بدولة كندا، كما لنا الكثير من المشاركات الوطنية والمحلية. الطابع الغنائي ''الهول'' أكثر شعبية وطلبا في كل من الصحراء الغربية، موريتانيا والمغرب، فما يميزها عن طابع ''الهول'' الجزائري؟ لا يوجد فرق كبير بين ''هول'' الصحراء الغربية وموريتانيا والجزائري، ولا يكمن إلاّ في بعض الاختلافات الصغيرة، وأرجع ذلك إلى تواجدنا بنفس المنطقة الحدودية، وبالتالي نملك نفس الإيقاعات والنغمات، غير أن ''الهول'' بتندوف لا يزال يحافظ على تقاليد الأسلاف بالمقارنة عن غيره سواء اللباس أو طريقة الأداء، أما فيما يخص ''الهول'' المغربي فإنه يختلف تماما عن الجزائري.