إن جيل الشباب المغاربي الذي أدرك سن النّضج في العشر سنوات الأخيرة، التي شهدت تطورا كبيرا في مجال تكنولوجيا الاتصال، لم يؤمن بإمكانية التعبير عن آرائه ومطالبه عبر الوسائل والمؤسسات والتنظيمات التقليدية المتعارف عليها· ذلك أن هذا الجيل فهم منذ البداية أن: - الإعلام سواء الرسمي منه أو الخاص، ما هو إلا في خدمة النظام الحاكم، وحرية التعبير فيه ما هي إلا خدعة مكشوفة حتى لذوي الذكاء المحدود· - الأحزاب سواء الموالية أو المعارضة، ما هي إلا جماعات مصالح، تتبادل الأدوار لتزيين الواجهة السياسية خدمة لنظام الرئيس والملك والعقيد في البلدان المغاربية· - التنظيمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية ما هي إلا صورة شكلية لإعطاء الانطباع عن وجود مجتمع مدني يشارك في صنع القرار· والحقيقة أن هذه التنظيمات والجمعيات تعج برجال الاستخبارات والأمن وأجهزة التنصت· لقد فهم الشباب المغاربي أصول اللعبة وابتعد عن منطقة الضوء، وصار يُسمى في جداول التصنيف الانتخابي ب ''الفئة الصامتة''، ويسمى في مقالات مثقفي (لغة الخشب) ب ''جيل بلاي ستايشن'' و''الهيب الهوب'' و''الراي''·· إنها مسميات شتى كلها توحي بالسلبية والانعزال والعجز، في ظل واقع عام تم تشكيله وتكريسه وصياغته بآليات قمع ناعمة حينا وعنيفة أحيان أخرى، ليبدو حقيقة ثابتة وقدرا محتوما· ومع التطور المتسارع في منظومة وسائل الاتصال والإعلام المباشرة وجدت غالبيةٌ من الشباب المغاربي عزاءها في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر شبكة الإنترنت· وقد كان ظهور ''تويتر'' و''فايس بوك'' نقلة نوعية، فتحت آفاقا أوسع أمام شباب المنطقة، للتواصل مع أصدقاء في مختلف دول العالم والاحتكاك بهم· لقد هبت عليهم نسائم الحرية من بعيد، كل على حدة، وصاروا يعبرون بأسماء مستعارة عن أفكارهم وأحلامهم وقدراتهم البناءة، آملين أن تتحول هذه الحرية المتاحة في المجال الافتراضي إلى واقع يعيشونه في الحياة اليومية· إن جيل ''تويتر'' و''فايس بوك''، اليوم، أسقط النظام في تونس، وألهب انتفاضة عارمة في ليبيا، وجعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يستجيب لمطالب الإصلاحات بإعلانه رفع حالة الطوارئ، في انتظار تغيير الحكومة وحل البرلمان· كما أن العاهل المغربي في خطابه الأخير تجاوب مع جملة من مطالب المحتجين من جماعة حركة شباب 20 فبراير الفايس بوكية· ويظل السؤال عن كيفية تسخير وسائل الإعلام الاجتماعية هذه، لتعبئة المواطنين وتشجيعهم على المشاركة في صناعة مستقبلهم الوطني، هو الأهم· ذلك أن رهان الوصول إلى أعماق المجتمع والتفاعل معه، بكافة أجياله، نساء ورجالا، هو الضامن الأساسي لجعل حركية التغيير مستمرة متجددة من تلقاء نفسها، إذ من الضروري أن تكون نزعة النقد وحرية التعبير وفضح الحقائق والمساءلة الموضوعية والمطالبة بالحقوق ثقافة راسخة متأصلة ونسق حياة متكامل، حتى يتطابق الواقع الافتراضي مع الواقع المعيش، سياسيا واجتماعيا وتنمويا وهذا يجعلنا نتوقع أن تظهر، في غضون الأشهر القادمة، تنظيمات سياسية جديدة ووسائل إعلام وجمعيات أهلية في المغرب العربي، يعود أصل نشأتها إلى مواقع التواصل الاجتماعي· وبالمقابل، ستجد وسائل الإعلام التقليدية الأخرى والمؤسسات التشريعية والحكومية والجمعيات الأهلية نفسها مجبرة على استنشاق نسيم الحداثة لتواكب الأحداث، وإلا فإنها ستكون جزءا من الماضي البائس·