قبل قيام الثورة التونسية لم يكن أحد يتوقع أن تتسارع الأحداث في العالم العربي بهذا الشكل، بطريقة أشبه بالأمر المخطط له، كأنها المؤامرة أو لعلها، كثير من الشك، فترات من التردد، التحذير من الإسلاميين، التحذير من الفوضى، الخوف من الحاضر، الخوف على المستقبل، والمشهد لا يزال يتكرر في مختلف العواصم العربية، كأنها حمى انتقال الثورة من عاصمة إلى أخرى، والسؤال الأكثر قابلية للطرح في هذا الوقت هو: على من الدور غدا؟· الحقيقة أن المجتمع العربي اليوم يشهد مرحلة التغيير، الشعوب تكتب تاريخا جديدا، وتسطر أهم لحظة في حياتها، المجتمع العربي يتجه إلى الحداثة ويؤسس لها، الشعب العربي يريد إسقاط الأنظمة الدكتاتورية الشاملة، يريد قيام الدولة الحديثة·· الشارع العربي رافض لحالة الاغتراب التي فرضت عليه، يريد أن يشارك في مسيرة التنمية، الشعب العربي، نعم العربي يريد التخلص من العبودية المختارة، ولا يجد أمامه غير طريق الثورة الذي يعرفه جيدا·· الثورة من أجل الخروج من حالة التخلف بإقامة نظام جديد يحقق القطيعة مع النظام القديم والدولة التقليدية· إن هذا الحراك الاجتماعي يدفعه الوعي واللاوعي، في لحظة ما بعد اليأس والعجز، في لحظة الرجوع إلى الذات· لقد أدركت الشعوب العربية أن الاحتجاج المقاوم للأنظمة القائمة كفيل باسترجاع الحرية، وهو طريقها نحو التحرر·· أخيرا تخلص العرب من عقدة الدولة التقليدية، دولة الحزب الواحد، الرؤية الواحدة، الرجل الأوحد·· أخيرا تسلح الجميع بإرادة الشباب ووعيهم من أجل حياة أفضل·· صحيح أن الحكام العرب سيحاولون التملص ومجابهة الثورة لكنهم لن يقووا على الصمود طويلا في وجه الإرادة الشعبية، فإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، كما قال الشاعر التونسي يوما·· ستنتصر الشعوب وستكون حرة، ستتخلص من الأنظمة التي حكمتها لعقود دون أن تتمتع يوما بالشرعية، ستسقط كل الأقنعة، وسيثأر المجتمع العربي من سارقي أحلامه، من ناهبي الثروة والمتمسكين بالسلطة طيلة عقود من الزمن. ها هي الرغبة عكس القانون تشحذ الهمم، وتعزز الصفوف، ها هو الاجتماع ضد العبودية والطغيان يجعل الناس أكثر إيمانا بالنصر إلى النهاية·· لكن الأهم بعد ثورة أي شعب هو حرصه على إصلاح الدولة لأنها مركز تمفصل كل السلطات، على المنتصرين في ثوراتهم أن يؤسسوا لاحترام حقوق الإنسان، الحقوق الحياتية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، عليهم أن يناضلوا من أجل احترام حقوق الرجل والمرأة والطفل، عليهم أن يؤسسوا لمجتمعات ديمقراطية، عليهم أن يؤسسوا للمجتمع المدني الحقيقي، الذي يقوم بالمراقبة والحفاظ على حقوق المواطنين والمشاركة في الشؤون المدنية· وهذا لا يكون إلا باكتساب الثقافة الديمقراطية ونشرها بما يضمن ارتقاء الفرد إلى درجة المواطن، ويتمتع الجميع بصفة المواطنة· على المجتمع العربي الحديث، بعد الثورة، أن يرعى المكاسب، ويعمل من أجل تحقيق الغاية الأساسية التي ثار من أجلها ألا وهي إقامة مجتمع حديث لا يزول بزوال الرجال··