تشهد المستشفيات والعيادات متعددة الخدمات التابعة للقطاع العام حالة طوارئ وفوضى بعد الندرة المسجلة، في الآونة الأخيرة، في الأمصال الطبية (السيروم)، الأمر الذي أدى إلى تأجيل العديد من العمليات الجراحية عبر مختلف المستشفيات، سواء بالعاصمة أو خارجها، إضافة إلى توقف العديد من تدخلات الأطباء بسبب نقص هذه المادة الحيوية· وسنّت العديد من المستشفيات تعليمة داخلية تأمر بموجبها بمنح (السيروم) في الحالات المستعصية والمتأزمة فقط، على غرار مستشفى بارني بحسين داي ومايو بباب الوادي ومصطفى باشا، كما ذهبت بعض المصالح إلى مطالبة المواطنين بجلب (السيروم) من أجل التكفل بمرضاهم، علما أن هذه المادة لا تباع في الصيدليات· وكشفت مصادر مطلعة أن الندرة المسجلة مست كلا النوعين من المصل سواء مصل الجلوكوز أو المصل المالح، وهو ما أثر على السير العادي لمختلف المؤسسات الصحية، مضيفة أن المستشفيات التي تتزود بدورها من الصيدلية المركزية تحصل على احتياجاتها من (السيروم) من مؤسسة وطنية تتمثل في صيدال ومؤسسة خاصة أخرى تدعى ''إي· أم· سي للصناعات الطبية - الجراحية''· وأكد ذات المصدر أن المؤسسة الخاصة التي كانت تزود الصيدلية المركزية أوقفت تعاملها مع الصيدلية المركزية بسبب عدم دفعها مستحقات ''إي· أم· سي'' التي جاوزت حدود 40 مليار سنتيم، وبموجبها قام هذا الأخير بتوقيف إمداداته المباشرة للصيدلية المركزية وغير المباشرة للمستشفيات· في سياق آخر، سبق وأن أكد المدير العام للصيدلية المركزية للمستشفيات الدكتور دليح شريف أن قانون الصفقات العمومية يعيق عمل الصيدلية المركزية التي أنشئت بموجب مرسوم تنفيذي يحدد صلاحياتها، ولم يتم تعديله وتكييفه مع قوانين تسيير الأدوية منذ عام .1995 واعتبر دليح أن المستشفيات لا يمكنها بموجب ذات القانون استعمال الأموال لاقتناء الأدوية اللازمة كونها تخضع لقانون الصفقات للمرسوم التنفيذي رقم ,10 حيث تأخذ المستشفيات الأدوية من الصيدليات التي تمونها ب 800 صنف دواء وأكثر من 3000 صنف من المستلزمات الطبية المركزية· وقد وصلت ديون المستشفيات 27 مليار دولار· كما أكد أن الغلاف المالي المخصص للأدوية والمستحقات الطبية للعام الجاري بلغ 25 مليار دينار يتوزع على كل المستشفيات من أجل اقتناء الأدوية التي تحتاجها في العلاج، ينتج جزء منها محليا ويستورد الباقي· من جهته، سبق وأن أمر وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات جمال ولد عباس المستشفيات العمومية بدفع مستحقات الصيدلية المركزية التي بلغت 27 مليار دج وهذا قبل نهاية شهر نوفمبر، وأوضح ولد عباس خلال اجتماع عادي لمجلس إدارة الصيدلية المركزية أن إدارته أعطت تعليمات صارمة إلى كل المؤسسات الاستشفائية لدفع ديونها للصيدلية المركزية في الأجل المحدد، غير أن الآجال التي حددها الوزير لم يتم الوفاء بها· وفي نفس الإطار، استرجاع الصيدلية المركزية لمستحقاتها من شأنه أن يسمح لها بضمان السير الحسن والتحكم في عملية اقتناء وتوزيع الأدوية على المؤسسات الاستشفائية، غير أن عدم استرجاع مستحقاتها جعلها تتخبط في ديون ضخمة حرمتها من الوفاء بالتزاماتها اتجاه الشركاء المنتجين والمستوردين عن طريق تسديد ديونها المتراكمة والتي تجاوزت 27 مليار دج، ما يضع صحة المواطن تحت رحمة الديون ومدى التزامات المستشفيات والصيدلية المركزية· في سياق آخر، ومن خلال القرار الذي اتخذه الوزير الذي ألزم المستشفيات بالمرور من الآن فصاعدا عبر الصيدلية المركزية لشراء الأدوية، بهدف ترشيد نفقات الصحة العمومية ووضع حد للتجاوزات المسجلة، غير أن هذا القرار عاد سلبا على المؤسسات الاستشفائية خاصة في المناطق الداخلية للوطن، حيث وجدت الصيدلية المركزية صعوبة في تغطية احتياجات المستشفيات، كما أن القرار الذي اتخذه ولد عباس والذي يلزم الصيدلية المركزية المرور عبر الوزارة وعدم ابرام أي صفقة دون استشارة الوزارة الوصية· الهادي بن حملة -------------------------------------------------------------------------------------------------- مستشفى مصطفى باشا بدون مصل والمرضى في خطر يعاني مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة الذي يعد من أهم وأكبر المستشفيات وطنيا، من نقص فادح في الأمصال بجميع مصالحه· ''الجزائر نيوز'' زارت المستشفى وعاينت الحاجة الملحة ل ''مصل الحياة'' كما يسميه الأطباء، لأن الاستغناء عنه مستحيل· يواجه المرضى الوافدون على مستشفى مصطفى باشا مشكلا كبيرا، قد لا يطرح إلا في مستشفيات الجزائر، فبعدما كان إيجاد سرير شاغر في المستشفى هاجس من خانتهم صحتهم، أصبح توفير أكياس المصل للمرضى همّا آخر يرهن حياة المرضى، خصوصا وأن هذه المادة تعد من ضروريات التدخل الطبي، أيا كان نوعه وفي أي قسم كان· فبقسم أمراض المعدة وجراحتها، لم تبلغ نسبة توفير الأمصال للمرضى سوى 63 بالمائة، إذ يرقد -بحسب أحد الممرضين الذي رفض الكشف عن اسمه- في القسم 220 مريضا لا يتوفر لا 140 منهم على المصل· وتلقى العاملون في المصلحة -حسب ذات المتحدث- تعليمة بضرورة توفير المصل للحالات الحرجة فعلا، وتتعلق بالخاضعين للجراحة في اليومين التاليين أو الموجودون في العناية الفائقة، وتتفاوت نسبة النقص من مصلحة إلى أخرى، وتقوم صيدلية المستشفى بتوفير الأمصال للأقسام، حسب الحاجة إليها، إذ ترتفع نسبة الطلب على المصل في مصلحة القلب وأمراض الكلى، فيما يمكن الاستغناء عنه نوعا ما في طب النساء أو العظام· المهدئات والمسكنات الغائب الأكبر تعد المهدئات والمسكنات من أكثر المواد استعمالا في المستشفيات، ولا تقل أهمية هي الأخرى عن الأمصال، إلا أن نقصها جعل المرضى، خصوصا الذين خضعوا إلى عمليات جراحية، يتحملون أوجاعهم، حسبما وقفت عليه ''الجزائر نيوز'' بمصلحة طب القلب· واعتبر بعض المسؤولين على توفير مختلف المواد الصيدلانية بذات المؤسسة، أن الشح الذي تعانيه هذه الأخيرة جعلهم في حرج كبير وفي أزمة لا يتحملون مسؤوليتها· ''الجزائر نيوز'' من جانبها، حاولت الحديث مع مسؤولين في صيدلية المستشفى، إلا أن محاولتها باءت بالفشل، واعتبر أحد العمال بها الذي لم يكشف عن اسمه أن المسألة تتعداهم وهم يقومون بتوزيع ما تتوفر عليه الصيدلية، حسب الطلب، وأن هناك أوامر بضرورة توزيعها بطريقة تعطي الأولوية لمرضى القلب والكلى الذين خضعوا للجراحة· طوارئ في مركز بيار وماري كوري لأمراض السرطان بلغ شح الأمصال حتى المركز التابع لمستشفى مصطفى باشا المتخصص في علاج أمراض السرطان، وبحسب بعض أسر المرضى، فإن المشكل يطرح لديهم بكثير ويضطر أهل المرضى إلى جلب المصل أحيانا من العيادات الخاصة، كما أكد عدد منهم أن هناك من قضى بسبب عدم توفر المصل. وبحسب والد أحد المرضى الوافدين من ولاية المدية، فإن إحدى الممرضات أبلغته بضرورة إسعاف ولده بتوفير مادتي ''الأدرينالين'' و''الإيسوبرال'' من خارج المؤسسة ووجدناه في حيرة من أمره، ويجهل الوجهة التي توفر له هذه المادة التي قد لا تتوفر خارج المستشفيات أصلا· ويتساءل عدد كبير من ذوي المرضى عن مصير أبنائهم في ظل هذا الغياب الفادح للمصل، وعن سبب تأخر المسؤولين في تدارك النقص، خصوصا وأن مريض السرطان يستوجب مده بالمصل على مدار ال 24 ساعة· بوصاق· ر -------------------------------------------------------------------------------------------------- غاشي الوناس أمين عام النقابة الوطنية لممارسي شبه الطبي: مدراء المستشفيات أصبحوا يفضّلون مشاريع البناء على تزويد المخازن بالأدوية يفتح غاشي الوناس النار على مجالس الإدارة لبعض المستشفيات التي تعرف ندرة لبعض الأدوية ويكون المرضى في حاجة ماسة إليها بمصالح الاستعجالات، معترفا بوجود نقص في بعض المؤسسات الاستشفائية في أنواع الأمصال، موضحا أن مدراء المستشفيات ''أصبحوا يفضلون استهلاك ملايير ميزانياتهم في مشاريع البناء وتجديد أرصفة وهياكل وأقسام بدل القضاء على ندرة بعض الوسائل والأدوية''، مؤكدا أن طريقة التسيير هي الإشكالية الأولى في هذا الموضوع· هناك ندرة حادة في الأمصال حسب المعلومات التي وردت إلينا، ما يضع ممارسي شبه الطبي في مواجهة شبه يومية مع المرضى ومرافقيهم في مصالح الاستعجالات، دفاعا عن مصالح فئتكم، هل تصرفتم إزاء المشكل؟ أولا لكي نحدد المصطلحات، يجب أن نقول نقصا وليس ندرة في الأمصال، وهذا يخص بعض المستشفيات وليس كلها· وحقيقة النقص يسبب مشاكل لمهنيي القطاع ككل الذين يحتاجون إلى أدوية ووسائل عمل في مصالح الاستعجالات، لكن الإشكالية في الموضوع أن طريقة تسيير بعض المستشفيات هي التي تخلق هذا النوع من الأزمات· وللإشارة، فإن إنتاج الأمصال في الجزائر يسير بشكل جيّد، ولا ينبغي لأحد أن يرجعها إلى نقص في السوق، بل إلى إشكاليات بيروقراطية كثيرا ما تتلخص في عدم تسديد إدارات المستشفيات أو الصيدليات الداخلية لفواتير المنتجين والموزعين· من المسؤول بالتحديد في نظركم؟ مجلس إدارة كل مستشفى مسؤول عن أي أزمة في الدواء أو وسائل العمل في حال كان الإنتاج والسوق يوفران مواد العمل· للأسف بعض المدراء أصبحوا يفضلون استهلاك ميزانيات مستشفياتهم في تجديد هياكل المستشفيات والطلاء ومشاريع البناء، على تزويد المخازن بالأدوية ووسائل العمل التي تصب في صالح المرضى والخدمة العمومية· فخمسة ملايير مثلا التي قد يستهلكها مشروع بناء واحد نستطيع أن نضمن بها اكتفاء لثلاث سنوات من الأمصال أو دواء آخر في المخازن· إذا المشكلة أيضا مشكلة أولويات؟ بطبيعة الحال، الأولى أن المستشفى لا يجب أن يعرف ندرة في وسائل العمل، وبهذا التسيير نضمن أداء جيد من طرف سلك الأطباء وشبه الطبي، ونتجنب كل المواجهات التي يعلق فيها المرضى مع من يقابلونهم في مصالح الاستعجالات· فالأمصال يتم استهلاكها يوميا، وقد يبلغ معدل استعمالها إلى ألف وحدة يوميا في مستشفيات جهوية، وبالتالي يطلعنا هذا على مدى أهمية هذه المسائل وجعلها مضمونة· المطلوب وضع سياسة استشرافية من طرف كل مجلس إدارة تقوم بتقسيم الميزانية الخاصة بكل مؤسسة أووحدة طبية بما يولي الأهمية القصوى للمصلحة العامة· ولا ينبغي أن يكون هذا الأمر خاصا بمؤسسات معينة بل أن يكون التسيير بالأولويات، وطنيا، حتى نقضي على هذه الأزمات ومسبباتها عبر مستشفياتنا· سأله: عبد اللطيف بلقايم -------------------------------------------------------------------------------------------------- المدير العام للصيدلية المركزية للمستشفيات دليح الشريف ل ''الجزائر نيوز'': برنامج استعجالي للتكفل بنقص السيروم أكد المدير العام للصيدلية المركزية للمستشفيات دليح شريف أنه تم إطلاق برنامج استعجالي للتكفل بالنقص المسجل في التزود بالأمصال أو السيروم بنوعيه الجلوكوز أو المالح، مؤكدا أن الصيدلية المركزية تزود كافة طلبات المستشفيات، حسب الحاجة· وأضاف المدير العام للصيدلية المركزية، في تصريح ل ''الجزائر نيوز''، أن الأسباب التي تقف وراء بعض من الندرة المسجلة ترجع إلى توقف شركة إي· أم· سي (لصناعات الطبية - الجراحية) عن إنتاج السيروم لصالح الصيدلية المركزية بسبب عدم دفع المستحقات المترتبة عليها، وقال المدير إنهم في انتظار دفع المستشفيات للديون المترتبة عنها هي الأخرى حتى تتمكن من دفع الأموال لصالح الشركة واستئناف الضخ بشكل عادي· وأكد المدير العام للصيدلية المركزية للمستشفيات الدكتور دليح شريف أن قانون الصفقات العمومية يعيق عمل الصيدلية المركزية التي أنشئت بموجب مرسوم تنفيذي يحدد صلاحياتها، ولم يتم تعديله وتكييفه مع قوانين تسيير الأدوية منذ عام .1995 وفي سؤال حول احتياجات السوق وقدرات صيدال والشركة الخاصة، قال دليح إن صيدال تؤمن حاليا حوالي 10 ملايين وحدة سنويا، ونفس الكمية تؤمنها ''إي· أم· سي''، في حين أن المنظمة الصحة العالمية توصي بتوفير 36 مليون وحدة سنويا، غير أن المدير طمأن بأن الصيدلية المركزية ستواصل إمداداتها وبتوفير كل الوسائل المادية والمعنوية لتغطية النقص المسجل إلى غاية عودة المياه إلى مجاريها· اعتبر المتحدث أن المشكل الذي حصل في الآونة الأخيرة لا تتحمله وزارة الصحة بحكم أن العديد من المتعاملين يتدخلون بصفة مباشرة وغير مباشرة، على غرار وزارة المالية التي تنشر الصفقات العمومية وتحددها· كما نفى العجز المالي عن المستشفيات التي لها ديون أو الصيدلية المركزية، مجددا تأكيده أن المشكل يكمن دائما في قانون الصفقات العمومية·