عندما اندلعت الثورة الليبية في فيفري الماضي، واجتمع مجلس وزراء الخارجية العربية لبحث المسألة وطرحت قضية تجميد عضوية ليبيا في الجامعة، كانت الجزائر واليمن وسوريا ضد القرار الذي كان مهدا لقرار أممي بالحظر الجوي على الجماهيرية، تحول إلى حرب جوية قادها الناتو وانتهت بسقوط جماهيرية العقيد القذافي· ولئن كان موقف اليمن مبررا -حينها- بحكم تشابه وضعها الداخلي بالوضع في ليبيا، فإن موقف الجزائر أثار نقاشا كبيرا وبرر بعوامل موضوعية تتعلق بالحدود الجغرافية مع ليبيا الممتدة على ألف كيلومتر التي تستدعي تعاملا خاصا جدا، في حين أن موقف سوريا كان استباقيا ضد أي مشروع ثورة داخلية، حتى تحيّد البلدان العربية عندما يأتي الدور عليها، خاصة وأن آلية التصويت داخل مجلس الجامعة تغيّرت منذ قمة الجزائر سنة ,2005 حيث أصبحت القضايا الإجرائية تنتخب بالإجماع، أما القرارات ''الجوهرية'' فهي تتخذ بالإجماع مع غموض في الحد الفاصل بين ما هو جوهري وما هو إجرائي· وبدا النظام السوري الذي وافق، منذ مدة ليست بالطويلة ودون شروط، أنه بصدد تمييعه مثلما تمكن من تمييع الكثير من القضايا الأخرى من قبل نظام عقائدي مغلق عمره يقترب من الخمسين سنة، ونجح في تجفيف كل منابع للفكر المخالف، وقضى على المعارضين بشكل دراماتيكي حتى فاجأته هذه الثورة الجديدة، وبدا أنه مطمئن لموقف بلد كالجزائر، بدليل أن ممثله في الجامعة لم يهضم مسألة تصويت الجزائر لصالح قرار تجميع عضوية سوريا في الجامعة العربية، إلى درجة أنه صرح عقب جلسة التصويت أن ''هناك دولة محورية في منطقتها لنا علاقات تاريخية معها، ظلت على تنسيق معنا ورافضة للقرار، لكن ضغوطا مورست عليها وغيرت رأيها في آخر لحظة''· ورغم أن المندوب السوري لم يسم الجزائر بالاسم فقد كان واضحا أنه يقصدها دون غيرها· ورغم اتهام المندوب السوري للجزائر إلا أنها اختارت ألا تسحب سفيرها من دمشق في خطوة وصفها البعض بالغامضة، لكن الناطق باسم الخارجية الجزائرية عمار بلاني وفي تصريح ل ''الجزائر نيوز'' قال إن ''الجزائر ومنذ البداية كانت تقول إن سحب سفير من عدمه هو مسألة سيادة وطنية، ولا توجد هيئة أو منظمة يمكن أن تفرض على أي دولة سحب سفيرها مهما كانت''· وأضاف قائلا: ''مسألة وجود سفير للجزائر في دمشق نحتاجها في هذا الظرف أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن نفرق بين علاقة دولة مع دولة أخرى، وعلاقة دولتين داخل منظمة كجامعة الدول العربية''، وهو التصريح الذي جاء متناسقا مع ما قاله وزير الخارجية مراد مدلسي في لقاء صحفي مشترك بالجزائر مع نظيره المصري، حيث قال: ''سفير الجزائر بسوريا وسفير سوريا بالجزائر مرحب بهما في كلا البلدين و سيواصلان العمل بروح أخوية وبكل إيجابية''· وأضاف قائلا: ''الجزائر لن تطبق إجراء الجامعة العربية القاضي باستدعاء السفراء العرب المعتمدين في سوريا والذي يسمح لكل بلد باتخاذ القرار الخاص به بكل سيادة''· وأكد: ''لقد حان الوقت أكثر من أي وقت مضى لتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية من أجل تطبيق وبشكل فعال المخطط الذي صادقنا عليه يوم 2 نوفمبر الفارط على مستوى الجامعة العربية''· إنه تلميح جزائري إلى أن المبادرة العربية، مازالت قائمة، ويمكن لنظام الاسد أن يستدرك الأمر قبل فوات الاوان، حتى لا تتكرر الحالة الليبية بشكل أكثر دراماتيكية·