يعتقد الدكتور زوبير عروس، المتخصص في علم الاجتماع الديني، أن التيارات الإسلامية الجديدة في الجزائر والخارج ليست لها علاقة بالمسألة الدينية إلا في إطار الحملة الانتخابية لأنها عندما تصل إلى الحكم ستتحول إلى أحزاب سياسية مدنية، خصوصا ونحن ندخل مفهوما سياسيا جديدا في هذا الشأن ''ما بعد الإسلامية''· صرح الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، أول أمس، في ندوة صحفية، أن التيار الإسلامي ''لا يمكن أن يحقق فوزا ساحقا'' في الاستحقاقات القادمة، في ظل الخريطة السياسية الجديدة لتموقع الإسلاميين في العالم العربي بشكل عام، والمغرب الغربي بوجه خاص، كيف تقرأون هذا التصريح؟ أتذكر الكثير من التصريحات المشابهة لهذا التصريح في بداية تسعينيات القرن الماضي، قال الجميع إن الإسلاميين لن يتحصلوا إلا على 17 أو 19 بالمائة على أكثر حد، لكنهم في الاستحقاق حققوا أعلى النسب وأوصلوا الجزائر إلى ما وصلت إليه لاحقا. السؤال الذي علينا طرحه، اليوم، ماذا يعني مفهوم الإسلاميين عند بلخادم؟ إذ لا يوجد إسلامي في الحكم أو خارجه أكثر من بلخادم، ولأنه رجل يتكلم جهارا نهارا ويقول ''أنا إسلامي وابني إسلامي وخلفي وخليفتي إسلامي''، إذا أين الاستغراب في وصول الإسلاميين ب ''الاسم'' إلى الحكم، فهم موجودون فيه منذ مدة ونموذجهم الأمثل هو بلخادم نفسه. لكن ربما المقصود هنا، الإسلاميين كتيارات وهياكل سياسية؟ وهل الإسلاميون بهذا الشكل غائبون عن الساحة السياسية؟ هم جزء أساسي من المشهد السياسي، وهو أمر معلوم لدى الجميع، وإلا ما تفسير مشاركتهم في الحكومة والبرلمان والتحالف الرئاسي.. وضع التيار الإسلامي في الجزائر أنه يسيّر الحكومة ولا يحكم، وهو حالهم في الانتخابات القادمة، ستسجل حركة حمس والنهضة والإصلاح.. وغيرها، نتائج تمكنها من المشاركة في التسيير وليس في الحكم. لكن المتغيرات الجديدة في المشهد السياسي العربي وخارطة تموقع التيار الإسلامي المحيطة بنا تفرض على النظام، اليوم، إعادة النظر في الخارطة القديمة وخصوصا موقع التيار الإسلامي فيها وفق المعطيات الجديدة؟ أتفق معك في وجود موجة تموقع قوية للإسلاميين في السلطة في العالم العربي، لكن يجب أن نعي تماما أننا اليوم في مرحلة ''ما بعد الإسلامية''، خاصة بعد صعود الإسلاميين في تونس والمغرب بالتحديد، لأن الإسلاميين بمفهوم التسعينيات وما قبلها لم يبق منهم إلا ''الإسلام''· الأحزاب الإسلامية في منطقة المغرب العربي بوجه خاص، لم يبق منها إلا الاسم و''البسملة''؟ هل تعتقدون أن الإسلاميين في المغرب سيسيرون الشأن العام بمنطقهم تحت إمرة أمير المؤمنين؟ هذا غير ممكن، الشأن الديني يدخل في الأمور السيادية لكن دائما تحت سلطة الملك، وليس للإسلاميين إلا تسيير الشؤون الاجتماعية ومشاكلها والبطالة وقضاياها والاقتصاد ومصائبه. إذا لا يوجد حزب إسلامي لا في الجزائر ولا تونس ولا المغرب يمكنه تسيير الشأن العام بمنطق ديني، لذلك سيوظف الإسلاميون الدين كدعاية انتخابية ليس إلا، وعندما يصلون إلى الحكم يصبحون أحزابا سياسية مدنية لا أكثر. تعني أنهم بعد الوصول يصبحون علمانيين؟ تسيير الدولة باسم الدين بعيد عن مرماهم، وغير ممكن على الإطلاق لأسباب جيوستراتيجية داخلية وخارجية، إلى جانب أن الناخب في كل من الجزائر، تونس والمغرب يبحث عن العدالة في شكلها المطلق وتطبيق الشريعة وأحكامها خارج هذا المجال بالنسبة للناخب الذي تعني له الشريعة وأحكامها العدالة الاجتماعية، لا أكثر ولا أقل، وإذا قلنا تجاوزا لا تتعدى تبرير بعض القيم التقليدية وليست (الأحكام)· لكن الناخب أمام صندوق الاستحقاق، داخل الجزائر في الماضي، وخارجها في العالم العربي اليوم، دائما كان يبدي رغبته في فوز التيار الإسلامي على حساب غيره من التيارات السياسية، ألا ترون أن الرهان على هذا الأمر سيكون لصالح الإسلاميين، حتما؟ الشارع اختارهم وسيختارهم لأنه يعيش دائما في مشاكل اجتماعية، ولذلك هم خياره بسبب رغبته في التخلص من معضلته الاجتماعية، لكن التجربة أثبتت أنهم غير قادرين على ذلك، من باب الإمكانيات المادية وعدم القدرة على الحكم وليس التسيير. إذا الوضع لصالحهم تماما؟ الوقت مناسب للخروج من ''الفوبيا الإسلامية''، التي بعدما بدأت جذوتها تنطفئ عند الغرب، أصبحت تتعمق في نفوسنا نحن أصحاب القضية.