تعيش جامعة سعد دحلب بالبليدة غليانا كبيرا، منذ أكثر من أسبوع، بعد أن دخل الأساتذة في إضراب مفتوح للتنديد بممارسات وسلوكات مستشار رئيس الجامعة التي اعتبروها منافية لأخلاقيات المهنة، بل وتجاوزا صارخا لما يجب أن يكون عليه الحرم الجامعي· ولم يتوقف الغضب الذي انتاب عمال الجامعة بصفة عامة عند الأساتذة أو الإداريين، بل تعداه أيضا إلى العمال الآخرين بمن فيهم أعوان الأمن وصولا إلى حارس الباب الخارجي للحرم الجامعي· عند وصولنا إلى عين المكان يوم أمس، في حدود منتصف النهار، وجدنا تجمعا للعمال أمام مقر رئاسة الجامعة أسفر في النهاية عن إصدار بيان تضمن عدم تقبلهم للإهانات ومختلف أوجه الحفرة والتجاوزات التي مارسها مستشار رئيس الجامعة، مؤكدين على أنهم سيستمرون في الإحتجاج ما لم يتم فصل هذا المسؤول وسيصعدون من لهجتهم في الأيام القادمة· خلفيات انتفاضة الأساتذة والعمال وحتى نقف على الخيوط الأولى للخلافات التي تعيشها جامعة البليدة، إرتأينا أن نبدأ من النواة الأولى التي أشعلت غضب العمال والموظفين على حد السواء، وبحثنا عن خلفيات تشخيص الإشكال المطروح في شخص هذا المستشار بدل رئيس الجامعة· ووسط جمع غفير من المحتجين، تولى أحد الأساتذة سرد الوقائع التي أدت إلى هذا الإضراب، حيث صرح بلهجة فيها الكثير من الإستياء قائلا ''الجميع يتفق على أن المشاكل بدأت سنة 2007 عندما تم تعيين عبد المجيد بوحزام كأمين عام بالنيابة للجامعة، وبعد انتهاء المدة تحول إلى مستشار لدى رئاسة الجامعة دون أي تصنيف أو صفة رسمية، باعتبار أن اسمه لا يوجد ضمن القائمة الإدارية للجامعة، وما زاد الطين بلة هو إقدام رئيس الجامعة على منح كل الصلاحيات لهذا المستشار بما فيها النواحي البيداغوجية وما تعلق بالبحث العلمي، والدليل أن ممثلي العمال المحتجين عندما تحاوروا مع رئيس الجامعة حول وضعية هذا المستشار، ردّ عليهم بأنه يملك نفس الصلاحيات التي يتمتع بها هو بل وأكثر من ذلك، فقد وصف بوحزام بمثابة المنقذ، خاصة وأنه أعطاه معلومات حول عدة قضايا وأمور كان يجهلها، واليوم الكل على دراية وعلم بأن هذا المستشار هو الذي يتكفل بتعيين العمداء على مستوى الكليات الموجودة بالجامعة وكذلك رؤساء الأقسام إلى حد بات هو الآمر والناهي''· وفي جانب آخر من الأسباب التي أدت إلى إضراب الأساتذة والعمال، تحدث إلينا أستاذ آخر عن قضية ثانية أثارت مشاعرهم وتتعلق أساسا، حسب ما جاء على لسان العديد من المحتجين، بالتحرش داخل المؤسسة ضد العمال من خلال سلوكاته المشينة معهم والشتم والإهانة، فضلا عن قيامه بتغيير العمال من منصب إلى آخر بطريقة تعسفية، منها إقدامه على تغيير ثمانية أمناء عامين على مستوى الكليات، خاصة في كلية البيولوجيا التي شهدت تداول أربعة أمناء في ظرف سنة ونصف، وهو أمر غير معقول· الحركة الإحتجاجية امتداد لإضراب 2002 ونحن نحاول الإلمام بالجوانب الأخرى من القبضة الحديدية التي يعيشها العمال، وجدنا الطلبة دون دراسة نتيجة إضراب الأساتذة، وبعض المسؤولين الآخرين في مختلف الميادين والإختصاصيين على منوال مسؤول مصلحة صيانة أجهزة الإعلام الآلي الذي سرد علينا نفس الكلام الذي سمعناه من المحتجين، ما يعني أن الثورة التي قام بها عمال الجامعة لم تقتصر على عامل دون آخر أو أستاذ دون آخر أو موظف بسيط دون آخر، بل الكل أجمع على كلمة واحدة وهي أن الوضع يسير عكس الأعراف والتقاليد المعروفة في الحرم الجامعي، وفي هذا الصدد لم يتوان أستاذ علم المياه عبد العزيز بوجاجة في وصف ما يحدث الآن بجامعة البليدة بأنه امتداد للحركة الإحتجاجية للأساتذة التي حدثت سنة 2002 ''بالنسبة لي فالأمر مرتبط بوضعية تسيير الجامعة، وهو في اعتقادي إمتداد للوضع الذي سبق قدوم المستشار بوحزام، حيث عاشت جامعة البليدة على وقع حركة احتجاجية سنة 2002 وهو الإحتجاج الذي جاء على إثره رئيس الجامعة الحالي الذي أراد يومها كسر الإضراب، والدليل أنه بعد يومين من تنصيبه أقدم على تشميع مقر الفرع النقابي ممثلا في المجلس الوطني للأساتذة المعترف به، ويمكنني القول بأنه منذ ذلك الوقت دخلت جامعة سعد دحلب في نمط تسيير تعسفي، ليزداد الوضع تدهورا مع مجيء المستشار الحالي لرئيس الجامعة سنة 2005 كأمين عام، حيث شرع في احتكار صلاحيات التسيير بما فيها التسيير البيداغوجي، ووصل الأمر إلى حد تعيينه لعمداء الكليات من خارج الجامعة مع وضع إجراءات تقليص وسائل عمل الأساتذة كتوقيف الهاتف وتولي تسيير الأنترنت والتصرف فيها، ناهيك عن المرافق الأخرى مثل حالات قاعات التدريس المتدهورة جدا، انعدام المراحيض، انعدام مطعم للأساتذة وكذا إنفاق أموال في تزيين محيط رئاسة الجامعة''· وقد أثر هذا الوضع على نوعية عمل الأساتذة على نحو ما حدث لأستاذ اضطر إلى إجراء امتحان لطلبته في قاعة بلغت فيها درجة الحرارة ما تحت الصفر· ما يحدث في الجامعة إهانة لرمز سعد دحلب لم يتوقف تذمر العمال والموظفين والأساتذة عند هذا الحد، بل هناك من اعتبر ما يحدث اليوم في جامعة الرمز سعد دحلب بأنه لا يشرفه كوجه وطني معروف ''ما نود التأكيد عليه كموظفين وعمال وأساتذة، هو أن التسيير في الجامعة عرف نقائص وهذا لا يمكننا نكرانه، لكن مع مجيء مستشار الرئيس تعفّن الوضع أكثر وذهبت مصداقية الجامعة بكلياتها وسمعتها التي انحطت كثيرا، بعد أن غابت الشفافية والديمقراطية عن اتخاذ القرارات، إننا اليوم نعيش أوضاعا كارثية رغم وضوح القوانين التي تتحكم في تسيير الجامعة''، بهذه العبارات عبر لنا بعض الموظفين والأساتذة عن يوميات جامعة سعد دحلب، ليضيف أحدهم بأنه في الوقت الذي كان من المنطقي أن تتحسن الأوضاع بعد الزيادات التي استفاد منها أساتذة الجامعة في ,2008 حدث العكس تماما· وبنفس النبرة والحدة، تحدث إلينا عبد العزيز قرعوش وهو عون إداري رئيسي، حيث وصف ما تعرض له من إهانة من طرف بوحزام بالكارثة ''بعد قيامنا في سنة 2009 بحركة احتجاجية بسبب استبعاد مدير المكتبة المركزية بالجامعة من منصبه، استدعاني المعني بالأمر إلى مكتبه، وتلقيت يومها وابلا من السب والشتم والإهانة''· نفس الأسلوب تم استعماله كذلك مع فخار محمد لمين وهو مهندس دولة ومسؤول عن شبكة الأنترنت، حيث حكى لنا ما تعرض له بالمصلحة رفقة بعض العمال الآخرين بعد أن طرح عليهم مستشار الرئيس أسئلة حول كيفية سير المصلحة وهددنا إن وجد دليل ضدنا أو ثغرة مهنية بالطرد وعندما اكتشف عدم توفر المصلحة على ميزانية استهزأ بشهادة مدير المصلحة وقال له لا أعترف بشهادة دكتوراه دولة· لقد فضلنا التوقف عند هذه الأقوال والشهادات التي أجمعت كلها على أن ممارسات مستشار رئيس الجامعة تتنافى كليا مع أخلاقيات الحرم الجامعي وأبجديات التسيير الإداري، وهو ما لمسناه من حديث حارس باب واجهة الجامعة الذي أكد السلوكات التعسفية التي مورست على كل العمال بدون استثناء·