الجسد ينفصم في حضرة صوفية لتصل بما ينفلت عن الضبط، ينفصم في حضرة تستحضر الحق في شهود يروّحن الجسدي ويجسدن الروحاني· في المستندات الثقافية العربية الإسلامية يتموقع الجسد في موقع برزخي، موقع جدل الحجب والسفور، موقع المقدس المدنس، الملائكي الشيطاني·· موقع الناسوت اللاهوت··· ويمكن الزعم بأن الحديث عن الجسد يختزل بكثافة كل ما يتصل بالمنظومات القيمية والرمزية التي تشكلت بها الهوية والمخيال والذاكرة والذائقة· وقراءة السندات الثقافية بكل أصنافها تحيلنا لما يتحكم نسقيا وهو بعض ما توقف عنده نقاد كالغذامي الذي تعرّض إلى اشتغال قيمة الفحولة كمحرك ظاهر أو مضمر، اشتغالا تختزنه مفردات المعجم الموظف في نصوص شعراء معاصرين صنفوا كرموز حداثة· الحفر في الأعماق والغوص في الأدراج يحيلنا لقراءة جذور بيانات الراهن··· جذور التنكيل بالجسد وجذور الاحتفاء به وجذور حجبه وجذور استعراضاته· جسد الشهادة الحسيني، جسد المصلوب الحلاج، جسد ابن المقفع الممزق وجسد ابن مقلة··· أجساد كتبت متن الفجيعة· جسد المنكل بهم في ما يحدث بالشوارع العربية، جسد القذافي وابنه، أجساد تكتب التراكم في مدونة الفجيعة· الباحث الراحل هادي العلوي خصص كتابا موضوعه ''تاريخ التعذيب في الإسلام'' وذكر فيه أشكالا من التعذيب كانت تمارس، أشكالا استمرت وحملت دلالات الإذلال والقهر النفسي الذي يدمر الإرادة ويشل القدرة ويفرض الإذعان· عمليات الإخصاء التي كانت تمارس حملت ما يتجاوز الفعل المادي المسلط على الجسد، حملت التذويب الممنهج لفرض سلطة النسق المهيمن، نسق مختوم بأختام لاهوتية أو قبلية أو عرقية أو مذهبية ·· الجسد يكتب المتن ويصوغه سردا وشعرية مكثفة·· جسد البوعزيزي المشتعل أشعل الغضب فانقلبت الأحوال··· جسد غادة عبد الخالق التي جرها وسحلها العسكر في ميدان التحرير القاهري، جروها وعروها كتتمة لحصص الكشف عن عذرية المعتصمات بالميدان·· جسد علياء المهدي المتعري والمشهر لإرادة اشتهاء شبقيته، اشتهاء معمم بالإشهار للاحتفاء بالجسد·· جسد يتحوّل إلى موضوع إشهار لسيكولوجية القهر والإذلال، وجسد ينطلق إلى إعلان لإرادة التحرر والانطلاق· إنه الجسد الحاضر نصا في مياديننا العربية، كما حضر شعارا وتجليا في حركة الشباب الغربي خلال ستينيات القرن الماضي، خصوصا خلال ثورة مايو بفرنسا وما ترتب عنها في الساحة الثقافية والفكرية· الجسد الموشوم بوشم يشير ويؤشر، وشم يحكي الهوامش والبؤر ويقول بالعلامة المطبوعة الحالة· الجسد يشكل الهوية برقصات تقول التحولات والحالات، تبث الرعشات واللوعات، تصغ الأحزان والأفراح، رقصات ظلت تهب الحياة وسط زحف الموت والبؤس في إفريقيا وأمريكا الجنوبية·· الجسد ينفصم في حضرة صوفية لتصل بما ينفلت عن الضبط، ينفصم في حضرة تستحضر الحق في شهود يروّحن الجسدي ويجسدن الروحاني· الجسد في زمن المشهد يكتسح وفي اكتساحه يزيح الأقنعة ويرفع الغطاء عما تلتبس به الذوات المكبلة بقهر الكبت· يتوهج الجسد بثورة الشارع ليخرج من تجسده، داخلا في تجرد يموضعه في مقام الرمز· كتب الشاعر والكاتب أمجد ناصر: ''هناك أسباب عديدة، ذاتية وموضوعية تتكون فيها ''الأيقونة'' (الرمز)· قد لا يكون المقدَّس من بينها، ولكنه يمكن أن يصبح لاحقا أحد تجلياتها، بل بوسعه أن يصير في مراحل معينة من تطوّر الوعي البشري تجلّيها الوحيد وعلامتها المنقطعة عن أصلها· تمّحي تدريجيا الأسباب ''الأرضية'' التي ساهمت في تكوين ''الأيقونة''، ويتعالى المقدَّس في برج ترفعه أشواق الناس ورجاءاتهم وانعدام حيلتهم· يضمر ''البعد الأرضي'' حتى يضمحل، ويحلّق المقدَّس في عليائه، يعبّر الأزمنة بغموضه وامتناعه عن الخضوع للعقلي والمنطقي ويكتسب منطقا خاصا به، منطق ينهل من عتمات إنسانية داخلية ومخاوف متيافزيقية لا يكفي ''نور'' العقل وحده لكشطها وتبديدها''· محمد بن زيان ![if gt IE 6] ![endif] Tweet المفضلة إرسال إلى صديق المشاهدات: 3 إقرأ أيضا: * افتتاح :