تحصلت رواية "عزازيل" ليوسف زيدان على جائزة البوكر العربية في طبعتها الثانية. وهكذا بات مؤكداً أنه لا نجاح من دون المرور على بركات الثالوث المحرم.. الدين والسياسة والجنس، وعليه كان للرمز الديني المسيحي في رواية عزازيل نصيب مهم من الرواج ومن ثورة الكنيسة القبطية في مصر.. أما داخل الرواية فكانت الفكرة تشرح بوادر العنف الذي سقط فيه الإنسان عندما أصبح يتحدث بما يعرف ب "التفويض الإلهي في الأرض". يوسف زيدان سيواصل العمل في هذا الموضوع بكتاب حول اللاهوت العربي.. ونحن سنحاول فك الرمز الديني داخل الرواية.. وهل يمكن للرواية أن تصبح إسلامية أو مسيحية..أو يهودية.. بوذية وحتى عدمية فقط لأن القائم على الحبكة الروائية يكتب الرواية بتوجه معين؟؟ للسياسة رقيب كان يدنو من النسق الروائي ويحرك فيه إرادته؛ بل ويوزع فيها مفاهيمه أحيانا.. وكان الرادع شديد اللهجة لدرجة أن المعارضة الأدبية قدمت لنا أدباً للمعتقلات وللسجون.. أما الجنس فهو صاحب البراهين الطويلة منذ فتح شهرزاد في لياليها الطويلة على وسادة مخملية وصولا إلى برهان العسل لصاحبته سلوى النعيمي. في حين ظل الدين معلقاً لعدة التماسات، أولها ذلك العقد الخفي المبرم بين رجل الدين والسياسي ولهذا كان الأدب الصوفي في البداية أول الذين نهلوا من المعطى الديني وحاولوا توثيقه في رسائل وعدد من الكتب تحاول الارتقاء بالسند الديني إلى مصاف الحرية المطلقة.. هذا الأدب وحسب الباحث سعيد جاب الخير في كتابة الأدب والتصوف تحامل عليه رجل الدين وجعله خارج اللعبة الاجتماعية.. التاريخ الديني.. والرواية التاريخية اللعبة الاجتماعية تعني بالضرورة وصول الأدب إلى كافة الشرائح؛ بل والتقرب إلى أنفسهم داخل العمل الأدبي، ومن ثمة خلق لعبة أخرى للتوازن مفادها إبعاد الدين عن السياسة، هذه النظرة اللائكية قررت على الأقل العيش بعيدا عن رغبة الله التي تنطق بها كنيسة العصور الوسطى.. عندنا وبعد غفوة طويلة حملت لنا بدايات القرن العشرين الرواية التاريخية التي تحاول تقديم التاريخ الإسلامي عبر عدد من عبقريات العقاد وطه حسين وعدد كبير من أدباء تلك الفترة لدرجة أن الموضوع شكل شهية لغير المسلمين أمثال جورجي زيدان.. وهنا يبدو كتاب يوسف زيدان عن اللاهوت العربي مهما لا شك. ولكن ظل الرمز الديني مشوشاً يسقط كما المناهج التعليمية ذات أهداف وأبعاد محددة مسبقاً تسقط جميعها في تعريف الجيل الناشئ بالشخصيات الإسلامية. عقيدة الأدب.. وعقيدة الأديب لا أعرف لما أتذكر هنا الاقتصاد الإسلامي كنظرية مميزة تحوى على جانب كبير من المثالية والإمكانية في التطبيق ولكن لا وجود للاقتصاد الإسلامي.. وقد لا نقصد مطلقاً أن النفس الديني الإسلامي غير موجود في الكتابات العربية. على العكس نجيب كيلاني شكل كافة جوانبها بالوعظ الكثيف وبالإرشاد عند بنت الشاطئ.. ولكن هل يمكننا أن نسميها هكذا - رواية إسلامية - لتلامس تفصيل مسبق.. لا أعتقد أن مقاييس الرواية وأدواتها وبعدها الإنساني، يمكن أن ينقسم على ذاته ليعطينا رواية على عقيدتنا.. الكتابة في صورتها الأولى هي خلق... هي اختيار لشخصيات معينة سيتم لاحقا ترتيب علاقاتها الاجتماعية وفق تأثيرات معينة.. هذه التأثيرات قد لا تنجو من البيئة التي تعكس لا محالة عقيدة الكاتب الدينية ولكنها ليست بالبناء المسند إلى حالة دينية خالصة.. لذا تعكس كتابات نجيب كيلاني إرادة تريد التمسك بمجموعة من المبادئ الأخلاقية كشكل من أشكال الالتزام. الالتزام الخيانة الكبرى للسند الروائي.. هل يستطيع الروائي أن يكون قلماً ملتزماً؟؟ وما معنى الالتزام..؟؟ هل يمكن للشخصية "عين" أن لا تتهور وتصارح الشخصية "سين" عن خلجات أحاسيسها.. وهل يمكن للعالم أن ينجب طفلا غير شرعي فقط لان الدين لا يسمح بهذا؟؟ وهل يمكن للرذيلة أن تختفي عندما نكون بصدد كتابة رواية ملتزمة.. هل يعني هذا تلفيقاً للواقع..؟ أم خيانة كبرى على الروائي أن لا يسقط فيها..؟ وماذا عن النهايات.. هذا إذا لم نشأ الكذب ورسمنا الواقع كما هو وأردنا في النهاية إصلاحه.. النهايات التي تعاقب أصحاب الرذيلة على فعلتهم الشنيعة لاشك أن الجزاء سيكون الحبكة والعقدة في التصور الملتزم.. وبعد هذا.. هل نتعلم بالوعظ.. أحلام مستغانمي تقول في ذاكرة الجسد أننا لا نتعلم من تجارب الآخرين، نحن نتعلم من خدوشنا.. وقد نتعلم مطلقاً من الرواية.. ولكن قد نسقط رفقتها الآخذ.. اللغة الأخاذة قد تصبح آثمة ومستعصية على التفسير.. وما الجدوى إذن..؟؟ ليس هناك جدوى وليس الأمر عبثيا ، ولكن هناك بيئة معينة لا تنشر ظلالها بالشكل المطلوب لتستحق أن تكون بطل رواية يشرح المعنى الإنساني.. تماما على شاكلة المأذون الذي يعقد القران في الأفلام المصرية.. فهو صورة كاريكاتورية.. عجولة.. غير مرتبة الهندام تمسك في النهاية أجرتها وتترك المكان في النهاية للقبلة الحلال. الآخر.. الحرام على الرغم من وجود تقاطعات أخرى للديانات السماوية في الكتابات العربية والعالمية فدوما سيكون هذا الآخر مرتبا على نمطية رؤية الآخر.. وفي هذا الصدد يقول صاحب عزازيل في أحد حوارته أن: "..الإشكال الأساسي هو (رؤية الآخر) فالآخر عند اليهودي هو (الأمي) الذي يجب إزاحته عن الأرض المقدسة التي وعد الله اليهود بها، على زعمهم، وهي الأرض الممتدّة من النهر إلى النهر، أي من الفرات إلى النيل. هم يرونها أرضاً بدون سكان، ولذا يعملون جاهدين على إخلائها لتناسب وهمّهم القائم على (عهد) الله (القديم) لأنبيائهم. والآخر عند المسيحيّ هو : الهرطوقى، الوثني، الضال! وهى التهم التي يلصقها المسيحيون بمن يخالفهم في الديانة، أو في المذهب الفرعي داخل الديانة المسيحية ذاتها. والآخر في الوعي الإسلامي هو: الكافر، المشرك، الزنديق! وهو شخص يجب إقامة الحدّ عليه .. هذا هو جوهر الخطابات الدينية، ولا سبيل لمعالجة، هذا الجوهر، إلا بإسقاط أجزاء رئيسة من التوهمات التاريخية التي صارت بفعل الزمان مقدسة، ولا قداسة فيها أصلاً ..