فيروز أيقونة لبنان، رمز الالتقاء بين الفرقاء، صوت عرج مرتفعا نحو فضاء الإنساني المتجاوز لقفص الحدود وتجلى لحنا للمحبة وبيانا للحياة، تجلى لما تحرر من وطأة الراهن ومن لعبة التموقع الطائفي. هي فيروز التي تنبعث في كل مرحلة لتتجدد ميلادا يتوهج بها رمزا يتجاوز التشخصن ليصبح ما يشبه الأسطورة في بلد مشحون بإرث الأساطير وبفيض الروحانيات. هي فيروز الجمال المشحون والموشح بالجلال، جمال جليل وجلال جميل... ابتعدت فاقتربت أكثر من كل من غرقوا في الأضواء والفلاشات... ابتعدت لتمد مسافة والمسافة معبر لرؤية ببصيرة ملقحة ضد عمى الألوان. هي فيروز صوت امتد بثورة موسيقية قادها الأخوان رحباني والثورة وجدت صوتا بلورها وجسدها، وامتد الصوت ليعم العالم العربي وليتشكل حالة في حلول، حلول في بهاء جليل، جلال صوت وصوت حضور يشع بهيبة وهيبة صاغتها روح وروح جعلت الصوت حلة تعصم من الغرق وتمد طوق النجاة فعندما تغني فيروز يعود المتناحرون إلى رشدهم ويسبحوا في ما ينسكب وما ينسكب من الصوت هو نور يخترق عتمة المسافات. لفيروز بصوتها حضور عابر للحدود والكثير منا سمع وتفاعل وأحب الصوت، ومنا من تضاعف إحساسه بقضية فلسطين لما سمع أغنية فيروز عن القدس. الصوت الفيروزي ليس مجرد صوتا مثيرا لبهجة ومحركا لتوهج جلال الحزن بل هو صوت الهوية، صوت الدلالة الدالة على كينونة وهي تتحول لتمتد بميلاد متجدد وبانبعاث فينيقي من رمادات الحرائق المتراكمة. صوت فيروز تجلي للجمال المحرر من وطأة التصنيف والتقييد ومن وطأة التسييج والتفكيك. صوت فيروز هو الجمالي الذي يكتب الإنساني. وبعد كل ما تراكم ظلت فيروز حضورا مؤكدا ما قاله درويش في جداريته: يا موت هزمتك الفنون صوت فيروز ملتبس بشخصية هذه الفنانة المتفردة في كبريائها الروحاني والمتسامية بمسافات ابتعادها عن الحمى التي يوشك من حام حولها على الوقوع في الواقعة التي لا دافعة لها. صوت فيروز ممتد في الإطلالة البهية لفيروز على الخشبة، في حزنها الجليل الذي يشع من عينيها الملائكيتين، في صمتها المفعم ببلاغة البلاغات كلها. واليوم لا يمكن أن نذكر لبنان دون أن نستحضر فيروز، وهذا الحضور يكفي للحديث عن فيروز الرمز والأيقونة.