منذ مدة ارتفعت أصوات تنادي بإعادة الأفالان إلى المتحف·· وحدث إثر ذلك لغط وسجال كبيران بين المتحمسين لإدخال الأفالان إلى المتحف، والمدافعين عن حق الأفالان في البقاء والاستمرار كحزب في الحياة السياسية·· الذين نادوا بإدخال الأفالان إلى المتحف، كانت حججهم أن الجبهة هي ملك تاريخي لكل الجزائريين، وتحويلها إلى حزب من قبل الطامعين في البقاء والاستمرار في الحكم باسم الشرعية التاريخية يعتبر جناية في حق الذاكرة الجماعية·· وفي الحقيقة أن السجال قد أخذ حسب كل فترة ألوانا من التعابير الإيديولوجية والسياسية، فجبهة التحرير تحولت في فترة العقيد الهواري بومدين إلى واجهة ليس إلا، لتصبح في حقبة الشاذلي بن جديد أداة من أدوات الحكم والتحكم والهيمنة، وبالفعل تحول المنسق العام لجبهة التحرير في حقبة الشاذلي بن جديد من الرجال النافذين والأقوياء، لكن ذلك لم يستمر بسبب أحداث أكتوبر 88 التي عصفت بحقبة بكاملها حتى وإن كان ما حدث أكثر جذرية وجدة وخطورة، لكن القوس الذي عاشته جبهة التحرير، وهو قوس وجيز تمثل في انتقال جبهة التحرير إلى معارضة جادة وحقيقية بقيادة الراحل عبد الحميد مهري سرعان ما تم إغلاقه وذلك من خلال الإطاحة ''بانقلاب علمي'' كانت من ورائه العصب النافذة في الحكم آنذاك، وكان حجار، سفير الجزائر بتونس اليوم، أحد منفذيه·· وهكذا عادت جبهة التحرير إلى دار الطاعة، لكن هذه الصورة لم تُعد إلى جبهة التحرير لا شبابها ولا قوتها بل انحدرت إلى وضع أكثر خطورة وهشاشة بحيث تحولت نزاعاتها الداخلية إلى نزيف حقيقي لكل ما تبقى لها من رصيد·· وأصبحت مرتعا للركض نحو الحصول على المناصب أكثر منها حزبا نضاليا، وأصبح الفساد جزءا من سلوكات قياديها ومناضليها·· وتحولت الوطنية التي طالما افتخرت بها جبهة التحرير إلى وطنية هرمة، عاجزة ومنخورة·· لم تعد جبهة التحرير قادرة على تجنيد الأجيال الجديدة وعلى قيادة حقيقية للمشهد السياسي، وظهر ذلك جليا في الانتخابات المحلية والتشريعية السابقة بحيث أصبح الصراع بين الأجنحة داخل جبهة التحرير، هو في الأساس صراعا على الريوع، وصراعا على حصد المزايا، وهذا ما فتح الباب على مصراعيه أمام ثقافة هجينة ومبتذلة، وهي ثقافة ''الشكارة'' التي قام أصحابها باختراق السياسة بفضل أموالهم القذرة من أجل تحقيق مزايا ونفوذ عبر شراء الأصوات سواء في الانتخابات البرلمانية أو المحلية· ولقد تمكن الأفالان من البقاء والاستمرار على قيد الحياة بسبب تواطؤ الإدارة وغياب انتخابات ذات صدقية لكن المعطيات الجديدة ستجعل مثل هذا الوضع معقدا وصعبا، وذلك ما لم ينتبه إليه قادة جبهة التحرير الذين فيما يبدو لازالوا مقتنعين أن الإدارة قد تلعب لصالحهم في آخر المطاف، ويظهر هذا جليا في الاطمئنان الذي تظهر به جبهة التحرير·· وإذا ما تفحصنا الأمر جيدا، نلحظ أن ثمة أمور جديدة قد يكون لها تأثيرها هذه المرة على تنظيم عملية الانتخابات التي قد تكون في ظل المعطيات الجديدة، انتخابات حقيقية قد يدفع الأفالان الثمن فيها باهظا، ويحدث له ما سبق وأن حدث له، في الانتخابات المحلية عام ,90 وفي الدور الأول من تشريعيات 91 عندما حصدت جبهة الإنقاذ أصوات الأغلبية·· وما النزاعات الداخلية التي يعيشها الأفالان إلا دليلا على عدم استفادته من الدروس الماضية·· وإن تكرر ما حدث له في بداية التسعينيات وخسر المعركة أمام الإسلاميين الشرعويين فلابد أن يعني ذاك، نهاية تاريخية لجبهة التحرير التي تحولت على يديها الوطنية التاريخية إلى وطنية هرمة بدون حياة وبدون روح·· وعندئذ ستمنح الأيام حقا للمنادين بإدخال جبهة التحرير المتحف، وفي هذا يكون على الأقل حفظ ماء وجه الأفالان التاريخي الذي نزل إلى الحضيض··· إن الأفالان إذا ما أخفق من جديد في رسم استراتيجية للتجدد وخوض غمار الإنتخابات التشريعية القادمة فإنه سيرسم هذه المرة نهايته السياسية، لكن التاريخية أيضا بيديه ويكون مصيره نفس المصير الذي عرفه الحزب الحاكم بتونس وحزب البعث في عراق صدام حسين، وشعبيات جماهيرية القذافي···